أن يستنطق ولده الصغير ينزل إلى درجة نطق الصبي، والراعي لشاة أو طائر يصوت به رغاء أو صفيرا شبيها بالبهيمة والطائر تلطفا في تعليمه.
فصل مراتب التوبة إعلم أن التائب أما يتوب عن المعاصي كلها ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره، فيتدارك ما فرط، ولا يعود إلى ذنوبه، ولا يصدر عنه معصية إلا الزلات التي لا يخلو عنها غير المعصومين، وهذه التوبة النصوح، والنفس التي صاحبها هي النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، أو يتوب عن كبائر المعاصي والفواحش ويستقيم على أمهات الطاعات، إلا أنه ليس ينفك عن ذنوب تصدر عنه في مجاري أحواله غفلة وسهوة وهفوة، لا عن محض العمد وتجريد القصد، وإذا أقدم على ذنب لام نفسه وندم وتأسف، وجدد عزمه على ألا يعود إلى مثله، ويتشمر للاحتراز عن أسبابه التي تؤدي إليه، والنفس التي هذه مرتبتها هي النفس اللوامة التي خيرها يغلب على شرها، فولها حسن الوعد من الله تعالى بقوله:
(الذين يجتنبون كبائر الإثم من الفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة) (20) وإلى مثلها الإشارة بقوله (ص): (خياركم كل مفتن تواب).
وفي خبر آخر: (المؤمن كالسنبلة، يفيئ أحيانا ويميل أحيانا). وفي خبر آخر: (لا بد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة) (21): أي الحين بعد الحين. وكل ذلك شاهد صدق على أن هذا القدر من الذنوب لا ينقض التوبة ولا يلحق صاحبه بدرجة المصرين، ومن يؤيس مثل هذا عن النجاة ووصوله إلى درجة التائبين فهو ناقص، ومثله مثل الطبيب الذي يؤيس الصحيح من دوام الصحة بما يتناوله من الفواكه مرة أو مرتين، ومثل الفقيه الذي يؤيس المتفقه عن نيل درجة الفقهاء بفتوره عن التكرار في أوقات نادرة. ولا ريب في نقصانه، فالعالم حق العالم هو الذي لا يؤيس الخلق