وأما الجالس في بيته التارك لكسبه، يعبد الله من دون طلب ، فهو أيضا قد ترك متابعة أمر الله. قال الصادق (ع): (إن من يقوته أشد عبادة منه) وربما يكون مثله كلا على الناس، فإن حاله ينادي بالبؤس واليأس، بل هو ضرب على تواطن الناس وتعرض للذل. وبالجملة لا مدخل لخفاء الأسباب وجلائها في التوكل، بعد ما تقرر أن معناه الثقة بالله وحده لا بالأسباب، فسواء وجود الأسباب وفقدها وجلاؤها وخفاؤها.
فصل طريق تحصيل التوكل الطريق إلى تحصيل التوكل - بعد تقوية التوحيد والاعتقاد، بأن الأمور بأسرها مستندة إليه سبحانه، وليس لغيره مدخلية فيها - أن يتذكر الآيات والأخبار المذكورة الدالة على فضيلته ومدحه، وكونه باعث النجاة والكفاية، ثم يتذكر أن الله - سبحانه - خلقه بعد أن لم يكن موجودا وأوجده من كتم العدم، وهيأ له ما يحتاج إليه، وهو أرأف بعباده من الوالدة بولدها، وقد ضمن بكفايته من توكل عليه، فيستحيل أن يضيعه بعد ذلك ولا يكفيه مؤنته، ولا يوصل إليه ما يحتاج، ولا يدفع عنه ما يؤذيه، لتقدسه من العجز والنقص والخلف والسهو. وينبغي أن يتذكر الحكايات التي فيها عجائب صنع الله في وصول الأرزاق إلى صاحبها وفي دفع البلايا والأسواء عن بعض عبيده، والحكايات التي فيه عجائب قهر الله في إهلاك أموال الأغنياء وإذلال الأقوياء، وكم من عبد ليس له مال وبضاعة ويرزقه الله بسهولة، وكم من ذي مال وثروة هلكت بضاعته أو سرقت وصار محتاجا، وكم من قوي صاحب كثرة وعدة وسطوة صار عاجزا ذليلا بل سبب ظاهر، وكم من ذليل عاجز صار قويا واستولى على الكل.
ومن تأمل في ذلك، يعلم أن الأمور بيد الله فيلزم الاعتماد عليه والثقة به. والمناط أن يعلم أن الأمور لو كانت بقدرة الله - سبحانه - من غير مدخلية للأسباب والوسائط فيها، فعدم التوكل عليه - سبحانه - والثقة بغيره غاية الجهل، وإن كانت لغيره - سبحانه من الوسائط والأسباب مدخلية، فالتوكل من جملة أسباب الكفاية وإنجاح الأمور، إذ السمع