- سبحانه - وهو الشوق إلى استكمال الوضوح فيما اتضح اتضاحا ما.
وأما الثاني، فلأن الأمور الإلهية لا نهاية لها، وإنما ينكشف لكل عارف، بعضها، وتبقى أمور متناهية خفية عنه، والعارف إجمالا وجودها وكونها معلومة لله - تعالى - ويعلم أن ما غاب عن علمه من المعلومات أكثر مما حضر، فلا يزال متشوقا إلى أن يحصل له من المعلومات المتعلقة بعظمة الله وجلاله وصفاته وأفعاله بما لا يعرفها أصلا، لا مع الوضوح ولا مع الإبهام والاجمال. والشوق الأول ربما انتهى في الآخرة إذا حصل الشهود واللقاء المعنوي لأجل استخلاص النفس من موانع الطبيعة وقشوراتها وحصول التجرد التام لها، وأما الشوق الثاني فلا يمكن أن ينتهي في الدنيا ولا في الآخرة، إذ نهاية ذلك أن ينكشف للعبد في الآخرة من عظمة الله وكبريائه وجلاله وصفاته وأحكامه وأفعاله ما هو معلوم لله - تعالى - وهو محال، إذ معلومات الله المتعلقة بذاته وصفاته وأفعاله غير متناهية قوة وشدة وعدة، فتمتنع إحاطة الإنسان بها، فلا يزال العبد عالما بأنه قد بقي من جلال الله وعظمته ومن صفته وفعله ما لم يتضح له، فلا يسكن قط شوقه وما من عبد إلا ويرى فوق درجته درجات كثيرة لا نهاية لها فيشتاق إليها البتة، وإذا كان أصل الوصال واللذة حاصلا، فربما كان الشوق إلى المراتب التي فوق مرتبتها شوقا لذيذا لا يظهر فيه ألم، وربما كانت لطائف الكشف والبهجة ودرجاتهما متوالية إلى غير نهاية وتحصل للعبد هذه الدرجات في الآخرة على التدريج، فلا يزال العبد يتصاعد ويترقى إليها، ولا يزال النعيم واللذة تتزايد له أبد الآباد من غير انقطاع له، وتكون لذة ما يتجدد من لطائف النعيم شاغلا له عن الاحساس بالشوق إلى ما لم يحصل له ألمه، فإن أمكن في الآخرة حصول الكشف فيما لم يحصل فيه كشف في الدنيا، لكان حصول المعارف والابتهاجات والأنوار وتجددها في الآخرة ممكنا، وإن لم يكتسب أصلها في الدنيا فيتجدد ويتوارد على العبد في الآخرة على الدوام والاستمرار من دون أن ينتهي إلى حد. وربما كان قوله - تعالى -:
(نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) (7):
إشارة إلى هذا المعنى، ويكون المراد به إتمام النور في عين ما استنار