في الآخرة استنارة محتاجة إلى الظهور، ثم إلى زيادة الاستكمال والإشراق وأن أختص حصول نعم للآخرة وأنوارها وابتهاجاتها على النعم التي تزود من أصلها ولم يحصل للعبد ما لم يكتسب في الدنيا أصله من الأنوار والابتهاجات، فيكون ترقي العبد في الآخرة في ازدياد الابتهاج والإشراق فيما حصل له أصله، وعلى هذا، فربما انتهى إلى حد ووقف هناك ولا يتضاعف، وقوله تعالى: (نورهم يسعى... إلى آخر الآية) يحتمل لهذا المعنى أيضا، بأن يكون المراد طلب إتمام نور تزود من الدنيا أصله.
(قيل): وقوله تعالى:
(أنظرونا نقتبس من نوركم قيل أرجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) (8):
يدل على أن الأنوار لا بد أن يتزود أصلها في الدنيا، ثم يزداد في الآخرة إشراقا، فأما أن يتجدد نور لم يكتسب أصله في الدنيا فلا.
ثم لا يخفى أن تعيين الأصل والفرع الأنوار والابتهاجات ومراتب الآخرة عندنا مشكل، وليس لنا طريق إلى القطع بأن أي شئ أصل لأي نور وبهجة، وربما كان المضنون عندنا: إن أصل كل نور وسعادة وبهجة هو اليقين القطعي الإجمالي بأن الواجب سبحانه في غاية العظمة والجلال والقدرة والكمال، وأنه تام فوق التمام، وكل ما سواه من المهيات الموجودة صادرة عنه على أشرف أنحاء الصدور وأقواها وأدلها على العظمة، وأنه لا موجود ولا شئ إلا الواجب وصفاته وأفعاله، وإن ذاته الأقدس ذات لا يمكن أن يكون لذهن من الأذهان العالية، ولا لمدرك من المدارك المتعالية عقلا كان أو نفسا أو غيرهما، لو أمكن أن يكون مدركا، أن يدرك في لحاظ التعقل ذاتا يمكن أن تكون فوقه أو مثله، بل كلما تصور أجمالا فهو فوقه، وكذا صفاته الكمالية وأفعاله، وأن صفاته الكمالية: من عظمته، وجلاله، وقدرته، وجماله، وعلمه، وحكمته، وغير ذلك غير متناهية، وليس لها حد وغاية، وما تعلق به علمه من مخلوقاته لا نهاية له كثرة وقوة وكمالا، وأن له من المراتب الغير متناهية من العظمة والجلال ما لا يطيق أشرف الموجودات وأقواها لإدراك أولها، فمن عرف ذلك وتيقن به، وعلم