كالأعضاء له، وهي متفاوتة تفاوت أعضاء البدن، وشرح ذلك ليس في مقدرة البشر وكلها مسخرات لله سبحانه، وآثار من قدرته الكاملة، ورشحات من أبحر عظمته الباهرة، وليست في أنفسها إلا أعدام صرفة.
فأرباب القلوب العارفون بالله المحبون له، إذا نظروا إلى ملكوت السماوات والأرض، والآفاق والأنفس، والحيوانات والنباتات، لا ينظرون إليها إلا من حيث أنها آثار قدرة ربهم، ورشحات صفاته، ويكون تفكرهم وسعيهم في العثور على عجائبها وحكمها، وابتهاجهم وشغفهم لأجل ذلك. كما أن من أحب عالما لم يزل مشغوفا بطلب تصانيفه، فيزداد بمزيد الوقوف على عجائب علمه حبا له. فكذلك الأمر في عجائب صنع الله، فإن العالم كله من تصنيفه تعالى، بل جميع المصنفين أيضا من تصنيفه الذي صنفه بواسطة قلوب عباده. فإن تعجبت من تصنيف، فلا تتعجب من المصنف، بل من الذي سخر المصنف لتأليفه بما أنعم عليه من هدايته وتسديده وتعريفه.
كما إذا رأيت لعب المشعوذ (14) يترقص ويتحرك حركات موزونة متناسبة، فلا تتعجب من اللعب، فإنها خرق محركة لا متحركة، ولكن تعجب من حذق المشعوذ المحرك لها بروابط دقيقة عن الأبصار. وقد ظهر أن غذاء النبات لا يتم إلا بالماء والهواء والشمس والقمر والكواكب، ولا يتم ذلك إلا بالأفلاك التي هي مركوزة فيها، ولا تتم الأفلاك إلا بحركاتها، ولا تتم حركاتها إلا بملائكة سماوية يحركونها، وكذلك تتسلسل الأسباب إلى أن تنتهي إلى مسبب الأسباب وغاية الكل، وليس لنا سبيل إلى إدراك تفاصيلها واستنباط عجائب حكمها ودقائق مصالحها.
فصل حاجة تحضير الطعام إلى آلاف الأسباب ثم ما ينبت من الأرض من النبات، وما يحصل من الحيوانات، لا يمكن أن تقضم وتؤكل كذلك، بل لا بد في كل واحد من إصلاح وطبخ وتركيب وتنظيف، بإلقاء البعض وإبقاء البعض، إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تحصى، وكل من الأطعمة يتوقف إصلاحها على أمور خاصة كثيرة،