معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح، فمن قرب منه بعد من غيره، ألا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجود إلا بالتواري عن جميع الأشياء، والاحتجاب عن كل ما تراه العيون؟ كذلك أراد الله تعالى أمر الباطن. فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشئ دون الله تعالى، فهو قريب من ذلك الشئ، بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته.
قال الله تعالى: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) وقال رسول الله (ص): (قال الله عز وجل: ما أطلع على قلب عبد فأعلم فيه حب الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي، إلا توليت تقويمه وسياسته، ومن اشتغل في صلاته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه، واسمه مكتوب في ديوان الخاسرين ) (33).
فصل التشهد إذا جلست للتشهد - بعد هذه الأفعال الدقيقة والأسرار العميقة، المشتملة على الأخطار الجسيمة - فاستشعر الخوف التام والرهبة والوجل والحياء، أن يكون جميع ما سلف منك غير واقع على وجهه، ولا محصلا لوظائفه وشرائطه، ولا مكتوبا في ديوان القبول. فاجعل يدك صفرا من فوائدها، وارجع إلى مبدأ الأمر، وأصل الدين، أعني كلمة التوحيد وحصن الله الذي من دخله كان آمنا، فاستمسك به إن لم تكن لك وسيلة غيره، فاشهد لربك بالوحدانية، واحضر رسوله الكريم ونبيه العظيم ببالك واشهد له بالعبودية والرسالة وصل عليه وآله، مجددا عهد الله بإعادة كلمتي الشهادة، متعرضا بهما لتأسيس مراتب العبادة، فإنهما أول الرسائل وأساس الفواضل، ومتوسلا إلى رسول الله بالصلاة عليه، مترقبا بذلك عشرا من صلاته (ص) عليك - كما ورد في الخبر -، ولو وصل إليك منها واحدة أفلحت أبدا. قال الصادق (ع): (التشهد ثناء على الله. فكن عبدا له في السر، خاضعا له في الفعل، كما إنك عبد له في القول والدعوى.