الدنيا ففعل، فانظر ماذا تستأنف) ثم قال (ع) (عجبا لقوم حبس أولهم عن آخرهم، ثم نودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون). وقال (ع) لأبي بصير بعد ما شكى إليه الوسواس -: (أذكر يا أبا محمد تقطع أوصالك في قبرك ورجوع أحبائك عنك إذا دفنوك في حفرتك وخروج، بنات الماء من منخريك وأكل الدود لحمك، فإن ذلك يسلي عليك ما أنت فيه)، وقال أبو بصير:
فوالله! ما ذكرته إلا سلى عني ما أنا فيه من هم الدنيا وقال (ع): (من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين، وكان مأجورا كلما نظر إليه) (30).
وقال (ع): (ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص، ويحقر الدنيا، وهو معنى ما قال النبي (ص): (فكر ساعة خير من عبادة سنة)، وذلك عندما يحل أطناب خيام الدنيا ويشهدها في الآخرة، ولا ينكر نزول الرحمة عند ذكر الموت بهذه الصفة، ومن لا يعتبر بالموت، وقلة حيلته، وكثرة عجزه، وطول مقامه في القبر، وتحيره في القيامة: فلا خير فيه. وقال النبي (ص): (أكثر ذكر هادم الذات..) ثم ذكر تمام الحديث كما مر.. ثم قال (ع): والموت أول منزل من منازل الآخرة وآخر منزل من الدنيا، فطوبى لم أكرم عند النزول بأولها، وطوبى لمن أحسن مشايعته في آخرها، والموت أقرب الأشياء من بني آدم، وهو بعده أبعد، فما أجرأ الإنسان على نفسه، وما أضعفه من خلق، وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين، ولذلك اشتاق من اشتاق إلى الموت وكره من كره، قال النبي (ص) (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) (31) فصل العجب ممن ينسى الموت عجبا لقوم نسوا الموت وغفلوا عنه وهو أظهر اليقينيات والقطعيات في العالم وأسرع الأشياء إلى بني آدم، وقال الله - سبحانه تعالى -