لو تركت على عادتها، فلا يحصل ما هو المقصود من الصوم، أعني تضعيف القوى الشهوية التي هي وسائل الشيطان، فلا بد من التقليل، وهو أن يأكل في مجموع الليلة أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، من دون ضم مما يأكل في النهار إليه، حتى ينتفع بصومه. والحاصل: إن روح الصوم وسره والغرض الأصلي منه: التخلق بخلق من أخلاق الله تعالى، أعني الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بقدر الإمكان وهذا إنما يحصل بتقليل الأكل عما يأكله في غير وقت الصوم، فلا جدوى لمجرد تأخير أكله وجمع أكلتين عند العشاء، ثم لو جعل سر الصوم ما يظهر من بعض الظواهر من إدراك الأغنياء ألم الجوع والانتقال منه إلى شدة حال الفقراء، فيبعثهم ذلك على مواساتهم بالأموال والأقوات، فهو أيضا لا يتم بدون التقليل في الأكل.
فصل ما ينبغي للصائم عند الافطار ينبغي لكل صائم أن يكون قلبه بعد الافطار مضطربا، معلقا بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين، وليكن الحال كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها. روي: (أن الإمام أبا محمد الحسن المجتبى (ع) مر بقوم يوم العيد، وهم يضحكون، فقال (ع) إن الله تعالى جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسئ عن إساءته!)، أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك فصل درجات الصوم للصوم ثلاث درجات:
الأولى - صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وهذا لا يفيد أزيد من سقوط القضاء والاستخلاص من العذاب.