الباطنة.
الخامس - محبته لمن بينه وبينه مناسبة خفية، أو مجانسة معنوية، فرب شخصين تتأكد المحبة بينهما من غير ملاحظة جمال، ولا طمع في جاه ومال، بل بمجرد تناسب الأرواح، كما قال النبي (ص): الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها أختلف).
السادس - محبته لمن حصل بينه وبينه الألف والاجتماع في بعض المواضع لا سيما إذا كان من المواضع الغريبة، كالسفن والأسفار البعيدة. والسبب فيه: كون أفراد الإنسان مجبولة على المؤانسة مع التلاقي والاجتماع، ولكون المؤانسة مركوزة في طبيعة الإنسان سمي إنسانا، فهو مشتق من الأنس دون النسيان - كما ظن -، والمؤانسة لا تنفك عن المحبة، وربما كان حصول المؤانسة والحب بين أهل البلد، أو بينهم وبين أهل القرى، وبين أهل البلاد المتباعدة والمواضع المختلفة، من جملة أسرار الأمر بالجمعة والجماعة، وصلاة العيدين، والحج الباعث لاجتماع عموم الخلائق في موقف واحد.
السابع - محبته لمن يشاركه في وصف ظاهر، كميل الصبي إلى الصبي لصباه، والشيخ إلى الشيخ لشيخوخته، والتاجر إلى التاجر لتجارته وهكذا.. فإن كل شخص مائل إلى من يشاركه في وصفه وصنعته وشغله وحرفته، والسبب الجامع فيه هو الاشتراك في الوصف والصنعة.
الثامن - حب كل سبب وعلة لمسببه ومعلوله وبالعكس، فإن المعلول لما كان مثالا من العلة، ومترشحا عنها ومنبجسا منها، ومناسبا لها لكونه من سنخها، فالعلة تحبه لأنه فرعها وبمنزلة بعض أجزائها التي كانت منطوية فيها، والمعلول يحبها لأنها أصله وبمنزلة كله الذي كان محتويا عليه، فكان كل منهما في حبه للآخر يحب نفسه.
ثم السبب أن كان علة حقيقة موجودة، تكون سببية أقوى في حصول المحبة والاتحاد مما إذا كان علة معدة. فأقوى أقسام المحبة ما يكون للواجب - سبحانه - بالنسبة إلى عباده، وبعد ذلك لا محبة أقوى من محبة العباد العارفين بالنسبة إليه - سبحانه فإن محبتهم له من حيث كونه موجودا مخرجا لهم من العدم الصرف إلى الوجود ومعطيا لهم ما احتاجوا إليه في النشأتين