(أن الشكاية أن تقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، وأصابني ما لم يصب أحدا، وليس الشكوى أن تقول سهرت البارحة، وحميت اليوم، ونحو ذلك). وقال الصادق (ع): (من اشتكى ليلة، فقبلها بقبولها، وأدى إلى الله شكرها، كانت كعبادة ستين سنة)، قيل له: ما قبولها؟ قال:
(يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان).
تتميم التلازم بين الصبر والشكر إعلم أنه اختلف في أفضلية كل من الصبر والشكر على الآخر، فرجح كلا منهما على الآخر طائفة. والظاهر أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. إذ الصبر على الطاعة وعلى المعصية هو عين الشكر، لكون أداء الطاعة وترك المعصية شكرا، كما مر في باب الشكر. والصبر على الشدائد والمصائب يستلزم الشكر، لما مر من أن الشدائد والمصائب الدنيوية تتضمن نعما، فالصبر على هذه الشدائد يستلزم الشكر على تلك النعم ولأن الصبر على المصائب هو حبس النفس عن الجزع تعظيما لله سبحانه -. وهذا هو الشكر بعينه، لأنه تعظيم لله يمنع عن العصيان، والشاكر يمنع نفسه عن الكفران مع ميل النفس إليه، وهذا هو عين الصبر عن المعصية. وأيضا، توفيق الصبر والعصمة من الجزع نعمة يشكر عليها الصابر، فكل صبر يستلزم الشكر، وبالعكس.
وبالجملة: لا ريب في استلزام كل من الصبر والشكر للآخر، فإن اجتماعهما في الطاعة وترك المعصية، بل اتحادهما فيهما، أمر ظاهر، كما تقدم. وفي البلاء المقيد الدنيوي، إذا حصل فيه الصبر، فلا ريب في عدم انفكاكه عن تصور النعم اللازمة له، ومن الثواب الأخروي، وحصول الانزعاج عن الدنيا والرغبة إلى الآخرة، فيشكر على ذلك. فهو لا ينفك عن الشكر، لأنه يعرف هذه النعم من الله، كما يعرف البلاء أيضا من الله فيفرح بالنعم، ويعمل بمقتضى فرحه من التحميد وغيره. وفي النعمة المقيدة مثل المال، إذا توسل به إلى تحصيل الدين، فلا ريب في أنه كما تحقق فيه الشكر تحقق فيه الصبر أيضا. إذ في إنفاق المال وبذله في تحصيل الدين