عن آفاته وموازنتها بتسبيحاته، حتى لا يكون لها زيادة عليها ليؤخذ منه أجرة نسخ الزائد. فيا عجبا لمن يحاسب نفسه ويحتاط خوفا أن يفوته مقدار قيراط ولا يحتاط خوفا من فوت العليين ومجاورة رب العالمين!
الطائفة الثالثة أهل العلم والمغترون منهم فرق:
(فمنهم) من اقتصر من العلم على علم الكلام والمجادلة ومعرفة آداب المناظرة، ليتفاخر في أندية الرجال ويتفوق على الأقران والأمثال، من غير أن يكون له في العقائد قدم راسخ أو مذهب واحد، فليختار تارة ذاك وتارة هذا، وتكون عقيدته كخيط مرسل في الهواء تفيئه الريح مرة هكذا ومرة هكذا، ومع ذلك يظن بغروره أنه أعرف الناس وأعلمهم بالله وبصفاته.
و (منهم) من اقتصر من العلم على علم النحو واللغة، أو الشعر أو المنطق، واغتر به وأفنى عمره فيها، وزعم أن علم الشريعة والحكمة موقوف عليها، ولم يعلم أن ما ليس مطلوبا لذاته ويكون وسيلة إلى ما هو مقصود لذاته يجب أن يقتصر عليه بقدر الضرورة، والتعمق فيه إلى درجات لا تتناهى فضول مستغنى عنها، وموجب للحرمان عما هو مقصود لذاته.
و (منهم) من اقتصر على فن المعاملات من الفقه، المتضمن لكيفية الحكم والقضاء بين الناس، واشتغل بإجراء الأحكام، وأعرض عن علم العقائد والأخلاق، بل عن فن العبادات من الفقه، وأهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الأخلاق ويتحلى بفضائل الملكات وتفقد جوارحه وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطاعات.
و (منهم) من حصل فن العبادات أيضا، بل أحكم العلوم الشرعية بأسرها وتعمق فيها واشتغل، ولكن ترك العلم الإلهي وعلم الأخلاق، ولم يحفظ الباطن والظاهر عن المعاصي، ولم يعمرها بالطاعات.
و (منهم) من أحكم جميع العلوم من العقلية والشرعية، وتعمق فيها واشتغل بها، إلا أنه أهمل العمل رأسا، أو واضب على الطاعات الظاهرة