قوله - تعالى -:
(سلام قولا من رب رحيم) (15) والثالثة: يقول الله - تعالى -: (إني عنكم راض)، وهو أفضل من الهدية والتسليم، وذلك قوله - تعالى -:
(ورضوان من الله أكبر) (16):
أي من النعيم الذي هم فيه.
ومعنى رضا الله عن العبد قريب من معنى حبه له، إلا أنه في الآخرة سبب لدوام النظر والتجلي في غاية ما يتصور من اللقاء والمشاهدة. ولهذا ليست رتبة في الجنة فوقه. ويروه أهل الجنة أقصى الأماني، وغاية الغايات فصل رد إنكار تحقق الرضا من الناس من أنكر إمكان تحقق الرضا في أنواع البلاء وفيما يخالف الهوى، وقال المتمكن فيهما: هو الصبر دون الرضا، وهو إنما أتى من ناحية إنكار المحبة، إذ بعد ثبوت إمكان الحب لله واستغراق الهم به لا يخفى إيجابه للرضا بأفعال المحبوب. وذلك يكون من وجهين:
أحدهما - أن يوجب الاستغراق في الحب إبطال الاحساس بالألم، حتى يجري عليه المؤلم ولا يحس به، وتصيبه جراحة ولا يدرك المها. ولا تستبعدن ذلك، فإن المحارب عند خوضه في الحرب، وعند شدة غضبه أو خوفه، قد تصيبه جراحة وهو لا يحس بها فإذا رأى الدم استدل به على الجراحة، بل الذي يعدو في شغل مهم قد تصيبه شوكة في قدمه، ولا يحس بألمها لشغل قلبه. والسر: أنا القلب إذا صار مستغرقا بأمر من الأمور، لم يدرك ما عداه. فالعشق المستغرق الهم بمشاهدة المعشوق أو بحبه قد يصيبه ما كان يتألم به أو يغتم، لولا عشقه، ولا يدرك ألمه وغمه لاستيلاء الحب على قلبه، وهذا إذا أصابه من غير حبيبه، فكيف إذا أصابه من حبيبه.