مسكين يكون في غاية الفقر والمسكنة ولا يعطيه درهما.
و (منهم) من ينفق الأموال في الصدقات، إلا أنه يطلب الفقراء الذين عادتهم الشكر والإفشاء للمعروف، ويكره التصدق في السر، بل يطلب المحافل الجامعة ويتصدق فيها، وربما يكره التصدق على فقراء بلده ويرغب أن يعطي أهل البلاد الأخر مع أكثرية استحقاق فقراء بلده، طلبا لاشتهاره بالبذل والعطاء في البلاد الخارجة البعيدة، وربما يصرف كثيرا منه إلى رجل معروف في البلاد وإن لم يكن مستحقا، ليشتهر ذلك في البلاد، ولا يعطي قليلا منه إلى فقير له غاية الاستحقاق إذا كان، خامل الذكر، يفعل هذا ويظن أنه يجلب بذلك الأجر والثواب، ولم يدر المغرور أن هذا القصد أحبط عمله وأضاع ثوابه.
ومنهم) من يجمع مالا من غير حله، ولا يبالي بأخذ المال من أي طريق كان، ثم يمسكه غاية الامساك، إلا أنه لا يبالي بصرف بعضه في طريق الحج، إما لنفسه فقط، أو لأولاده وأزواجه أيضا، إما للاشتهار، أو لما وصل إليه: إن تارك الحج يبتلى بالفقر و (منهم) من غلب عليه البخل، فلا تسمح نفسه بإنفاق شئ من ماله، فيشتغل بالعبادة البدنية من الصوم والصلاة، ظنا منه أن ذلك يكفي لنجاته، ولم يدر أن البخل صفة مهلكة لا بد من إزالتها، وعلاجه: بذل المال دون العبادات البدنية. ومثله مثل من دخلت في ثوبه حية، وقد أشرف على الهلاك، وهو مشغول بطبخ السكنجبين لسكن الصفراء، وغافل بأن الحية تقتله الآن ومن قتلته الحية فأي حاجة له إلى السكنجبين؟
وصل ضد الغرور الفطانة والعلم والزهد قد عرفت أن الغرور مركب من الجهل وحب مقتضيات الشهوة والغضب فضده الفطانة والعلم والزهد فمن كان فطنا كيسا عارفا بربه ونفسه وبالآخرة والدنيا وعالما بكيفية سلوك الطريق إلى الله وبما يقربه إليه وبما يبعده عنه، وعالما بآفات الطريق وعقباته وغوائله، لاجتنب عن الغرور ولم يغره الشيطان في شئ من الأمور، إذ من عرف نفسه بالذل والعبودية وبكونه غريبا في هذا العالم أجنبيا من هذه الشهوات البهيمية، عرف كون هذه الشهوات مضرة له