تصبر يقدر الله مقاديره، راضيا كنت أم كارها) (45). والأخبار في فضيلة الصبر على البلاء وعظم ثوابه وأجر ه أكثر من أن تحصى. ولذلك كان الأتقياء والأكابر محبين طالبين له، حتى نقل: (أن واحدا منهم دخل على ابن مريض له، فقال: يا بني! لئن تكن في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك. فقال: يا أبة! لئن يكن ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب). وقال بعضهم: (ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، ما علم به أحد).
فصل الصبر على السراء كل ما يلقى العبد في الدنيا، وما يوافق هواه، أو لا يوافقه، بل يكرهه، وهو في كل منهما محتاج إلى الصبر. إذ ما يوافق هواه، كالصحة الجسمية، واتساع الأسباب الدنيوية، ونيل الجاه والمال، وكثرة الأولاد والأتباع، لو لم يصبر عليه، ولم يضبط نفسه عن الانهماك فيه والاغترار به، أدركه الطغيان والبطر. (فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
وقال بعض الأكابر: (البلاء يصبر عليه المؤمن، والعوافي لا يصبر عليه إلا الصديق). وقال بعض العرفاء: (الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء). ولذ لما توسعت الدنيا على الصحابة وزال عنهم ضيق المعاش، قالوا: (ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وابتلينا بفتنة السراء فلا نقدر على الصبر عليها). ومن هنا قال الله سبحانه:
(يا أيها الذين آمنوا لا تلهيكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) 46. وقال (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) 47.
ومعنى الصبر على متاع الدنيا: ألا يركن إليه، ويعلم أنه مستودع عنده، وعن قريب يسترجع عنه، فلا ينهمك في التنعم والتلذذ، ولا يتفاخر