انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إلي، وتقطعت أوصالهم عن محبتي). وفي بعض الأخبار القدسية: (إن لي عبادا يحبونني وأحبهم، ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم وأول ما أعطيتهم أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم، ولو كانت السماوات والأرض وما فيهما في موازينهم لأستعد بها لهم، وأقبل بوجهي عليهم، لا يعلم أحد ما أريد أن أعطيه). وقال الصادق عليه السلام: (المشتاق لا يشتهي طعاما، ولا يلتذ شرابا، ولا يستطيب رقادا، ولا يأنس حميا، ولا يأوي دارا، ولا يسكن عمرانا، ولا يلبس ثيابا، ولا يقر قرار، ويعبد الله ليلا ونهارا راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه، ويناجيه بلسان الشوق معبرا عما في سريرته، كما أخبر الله تعالى عن موسى بن عمران في ميعاد ربه بقوله: (وعجلت إليك رب لترضى)، وفسر النبي (ص) عن حاله: (إنه ما أكل ولا شرب ولا نام، ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربه)، فإذا دخلت ميدان الشوق، فكبر على نفسك ومرادك من الدنيا، وودع جميع المألوفات، واصرفه عن سوى مشوقك، ولب بين حياتك وموتك: لبيك اللهم لبيك!
أعظم الله أجرك، ومثل المشتاق مثل الغريق، ليس له همة إلا خلاصه، وقد نسي كل شئ دونه) (10). وما ورد في الأدعية المعصومية من طلب الشوق أكثر من أن يحصى، والظواهر الآتية المثبتة للمحبة والأنس تثبت الشوق أيضا.
وأما (الكراهة والبغض وضدهما أعني الحب) فنقول: قد عرفت أن الكراهة والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب، والحب الذي هو ضدهما عبارة عن ميل الطبع إلى الملائم الملذ.
وتوضيح ذلك: أنه لا يتصور حب إلا بعد معرفة وإدراك، وكذلك لا يتصف بالحب جماد ولا يحب الإنسان ما لا يعرفه ولم يدركه، فالحب من خاصية الحي الدراك، بعد حصول الإدراك بالفعل.
ثم لما كانت المدركات منقسمة إلى ما يوافق طبع المدرك ويلذه، وإلى