توجهت للعبادة له، والمؤانسة به. وأعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنه لا تخفى عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم. وكن كأفقر عباده بين يديه.
واخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك، فإنه لا يقبل إلا الأطهر والأخلص.
وأنظر من أي ديوان يخرج اسمك، فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته، وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليك وأجابته، فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الإذن والأمان، وإلا فقف وقوف من قد انقطع عنه الحيل، وقصر عنه الأمل، وقضى عليه الأجل. فإن علم الله عز وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر إليك بعين الرأفة والرحمة والعطف، ووفقك لما تحب وترضى، فإنه كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه، المقيمين على بابه لطلب مرضاته. قال الله تعالى:
(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (25) (26) فصل الاستقبال وأما الاستقبال، فهو صرف لظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله. وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يصرف وجه القلب عن سائر الأشياء إلى الله، فإن الأعمال الظاهرة تحريكات للبواطن على ما يناسبها، فضبط الجوارح وتسكينها بالاثبات في جهة واحدة، لأجل ألا تبقى على القلب، لأنها إذا توجهت إلى جهات متعددة يتبعها القلب بالتوجه إلى أشياء متعددة، فأمر الله بصرفها إلى شطر بيته، ليتذكر القلب صاحبه، ويتوجه إليه، ويثبت على ذلك كما تثبت الأعضاء على جهة واحدة. قال رسول الله (ص): (إن الله تعالى مقبل على المصلي ما لم يلتفت)، وهذا الالتفات يشمل التفات القلب أيضا، فكما يجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات، فكذلك يجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الله وغير الصلاة، فإن التفت إلى غير الله وغير الصلاة، فذكره بأطلاع الله عليه، وقبح غفلة المناجي عمن يناجيه وعما يقول له حين المناجاة، لا سيما إذا كان