العلم بجميع ما يقتضيه جلال الله وعظمته، والعلم بأنه مطلع على السرائر وخطرات القلب، وإن دقت وخفيت. وهذه المعارف إذا حصلت يقينا، انبعثت منها - بضرورة - حالة تسمى بالحياء.
فصل طريق تحصيل المعاني الباطنة إعلم أن العلاج في تحصيل المعاني الباطنة المذكورة، أعني الحضور والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، هو تحصيل أسباب هذه المعاني، وقد عرفت أسبابها. وطريق العلاج في تحصيل هذه الأسباب إنما يتم بأمرين:
الأول - معرفة الله، ومعرفة جلاله وعظمته واستناد الكل إليه، ومعرفة كونه عالما بذرات العالم وبسرائر العباد. ويلزم أن تكون هذه المعرفة يقينية، ليترتب عليها الأثر. إذ ما لم يحصل اليقين بأمر، لا يحصل التشمر في طلبه والهرب عنه. وهذه المعرفة هي المعبر عنها بالإيمان. ولا ريب في كونها موجبة لحصول المعاني المذكورة وأسبابها. إذ المؤمن يكون البتة حاضر القلب مع ربه عند مناجاته، وتفهما لما يسأله عنه، معظما له، وخائفا منه، وراجيا منه، ومستحييا من تقصيره.
الثاني - فراغ القلب، وخلوه من مشاغل الدنيا. فإن انفكاك المؤمن العارف، المتيقن بالله وبجلاله وعظمته، وباطلاعه عليه من المعاني المذكورة في صلاته، لا سبب له إلا تفرق الفكر، وتقسم الخاطر، وغيبة القلب عن المناجاة، والغفلة عن الصلاة، ولا تلهي عن الصلاة إلا الخواطر الردية الشاغلة. فالدواء في إحضار القلب هو دفع كل تلك الخواطر، ولا يدفع الشئ إلا بدفع سببه.
وسبب توارد الخواطر، إما أن يكون أمرا خارجا، أو أمرا في ذاته باطنا.
والأول: ما يظهر للبصر، أو يقرع على السمع. فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه، ويتصرف فيه ثم ينجر منه الفكر إلى غيره، ويتسلسل فيكون الإبصار أو الاستماع سببا للافتكار، ثم يصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض. ومن قويت رتبته وعلت همته، لم يلهه ما يجري