الآخرة، فإن نظر إلى ظلمة تذكر ظلمة اللحد، وإن نظر إلى نار تذكر نار جهنم، وإن نظر إلى حية تذكر أفاعي جهنم، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن نظر إلى صورة قبيحة تذكر صورة النكيرين والزبانية، وإن رأى المحاسبة بين قوم تذكر محاسبة الآخرة، وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف له في آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول، وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة... إلى غير ذلك.
تتميم السر في إزالة الأوساخ السر في إزالة الأوساخ المذكورة عن البدن ظاهر، فإنها توجب تنوير القلب، وانشراح الصدر، وطرد الشيطان. إذ هي كسافات مانعة عن النورية والتجرد، فتشمئز منها الملائكة، ويرغب إليها الشياطين. ومن تأمل في الأحكام والآداب التي جاء بها رسول الله (ص)، وكانت له بصيرة ناقدة، يعلم أن شيئا منها لا يخلو عن حكمة، حتى أن ما صدر عنه في الآداب والحركات والأفعال والأقوال، من ترتيب خاص، أو تخصيص بعدد معين، أو ابتداء من موضع خاص، أو بواحد معين من الأشياء المتماثلة، يتضمن حكما أو حكمة البتة. مثال ذلك: أنه (ص) كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي عينه اليسرى اثنين، والسر في هذا الترتيب وهذا التخصيص: أن اليمنى أشرف العينين فبدأ بها، وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وترا، فإن للوتر فضلا على الزوج، لأن الله وتر يحب الوتر، فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد عن مناسبة لوصف من أوصاف الرب، وإنما لم يقتصر على الثلاث وهو وتر، لأن اليسرى حين إذ لا تخصها إلا واحدة، والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل، وإنما خصص اليمين بالزيادة لأن التفضل لا بد منه للإيثار، واليمين أفضل، فهو بالزيادة أحق، وإنما اقتصر على الاثنين لليسرى مع كونه زوجا، إذ الزوجية في أحداهما لازمة ضرورية، إذ لو جعل لكل واحد وترا لكان المجموع زوجا إذ الوتر مع الوتر زوج، ورعاية الإيثار في مجموع الفعل وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد. مثال آخر. روى الجمهور