كل أحد إنما تحصل بالاتصاف بأوصافه الباطنة والتخلق بأخلاقه النفسية دون التشبه به في حالاته الظاهرة، وقد شبههم بعض الأكابر بامرأة عجوز سمعت أن الشجعان من المقاتلين تثبت أسمائهم في الديوان ويقطع لكل واحد منهم قطر من أقطار المملكة فتاقت نفسها إلى أن تكون مثلهم، فلبست درعا، ووضعت على رأسها مغفرا، وتعلمت من رجز الأبطال أبياتا وتعلمت كيفية جولانهم في الميدان، وتلقفت جميع شمائلهم في الزي والمنطق والحركات والسكنات، وتوجهت إلى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان الشجعان، فلما وصلت إليه، أنفذت إلى ديوان العرض، وأمرت بأن تجرد عن المغفر والدرع وينظر إلى حقيقتها وتمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ليعرف قدر شجاعتها فلما جردت فإذا هي عجوز ذات منة ضعيفة لا تقدر على شئ فقيل لها: أجئت للاستهزاء بالملك وأهل حضرته؟ خذوها وألقوها قدام الفيل، فداسها ونحتها فهكذا يكون حال المدعين للتصوف والعرفان في القيامة، إذا كشف عنهم الغطاء وصفاته.
وعرضوا إلى القاضي الحق الذي لا ينظر إلى الزي واللباس بل إلى سر القلب الطائفة السابعة الأغنياء وأرباب الأموال والمغترون فيهم أكثر من المغترين من سائر الطوائف:
(فمنهم) من يحرص على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وسائر ما يظهر للناس بالأموال المحرمة، وربما غصب أرض المساجد والمدارس وربما صير لها موقوفات أخذها من غير حلها، ولا باعث له على ذلك سوى الرياء والشهوة ولذا يسعى في كتابة اسمه على أحجارها ليتخلد ذكره ويبقى بعد الموت أثره، ويظن المسكين أنه قد استحق المغفرة بذلك، وإنه مخلص فيه، ولم يدر أنه تعرض لسخط الله في كسب هذه الأموال وفي إنفاقها، وكان الواجب عليه الامتناع عن أخذها من أهله، وإذا عصى الله وأخذها، كان الواجب عليه التوبة وردها إلى أهلها، فإن لم يبقى من أخذها منهم ولا ورثته، كان الواجب أن يتصدق بها على المساكين مع إنه ربما كان في بلده أو في جواره