فيه الناس، إذ ليس يشترك الناس في تفهم معاني القرآن والتسبيحات، فكم من معان لطيفة يفهمها بعض المصلين في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك ولا يفهمها غيره. ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تفهم أمورا تمنع تلك الأمور عن الفحشاء والمنكر لا محالة.
الرابع - العظيم: وهو أمر وراء حضور القلب والتفهم. إذ الرجل ربما يخاطب غيره، وهو حاضر القلب فيه، ومتفهم لمعناه، ولا يكون معظما له.
الخامس - الهيبة: وهي زائدة على التعظيم لأنها عبارة عن خوف منشأه التعظيم، لأن من لا يخاف لا يسمى هائبا. ثم كل خوف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الاجلال.
السادس - الرجاء: ولا ريب في كونه زائدا عما ذكر. فكم من رجل يعظم ملكا من الملوك، ويهابه ويخاف سطوته، ولا يرجو بره وإحسانه، والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله، كما أنه خائف بتقصيره عقابه السابع - الحياء: ومستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب، وهو زائد على التعظيم والخوف والرجاء، لتصورها من غير حياء، حيث لا يكون توهم وتقصير ارتكاب ذنب.
فصل حضور القلب إعلم أن كون الأمور المذكورة روح الصلاة وحقيقتها، والمقصود الأصلي منها، أمر ظاهر. إذ الغرض الأصلي من العبادات والطاعات هي تصفية النفس وتصقيلها، فكل عمل يكون أشد تأثيرا فيهما يكون أفضل. ولا ريب في أن المقتضي لصفاء النفس وتجردها وتصقيلها عن الكدورات من الصلاة ليس إلا الأمور المذكورة، وليس لنفس الحركات الظاهرة كثير مدخلية فيها، وكيف لا يكون حضور القلب والخشوع روح الصلاة ولا يتوقف كمال الصلاة عليه، مع أن المصلي في صلاته ودعائه مناج ربه؟ ولا شك أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، وأيضا الكلام إعراب عما في الضمير، ولا يأتي الإعراب عما في الضمير إلا بحضور القلب، فأي سؤال في قوله: (اهدنا السراط