هو منكر ونكير، ومن سباع البوادي وحياتها وعقاربها حيات القبر وأفاعيها وعقاربها وديدانها، ومن انفراده عن أهله وأقاربه وحشة القبر ووحدته وكربته، وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزودا لمخاوف القبر.
فصل ما ينبغي في الميقات إذا دخل الميقات، ولبس ثوبي الاحرام، فليتذكر عند لبسها لبس الكفن ولفه فيه، وأنه سيلقى الله ملفوفا في ثياب الكفن لا محالة، فكما لا يلقى بيت الله إلا بهيئة وزي يخالف عادته، فكذلك لا يلقى الله بعد الموت إلا في زي يخالف زي الدنيا وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب، إذ ليس مخيطا، كما أن الكفن أيضا ليس مخيطا. وإذا أحرم وتلبى، فليعلم أن الاحرام والتلبية إجابة نداء الله، فليرج أن يكون مقبولا، وليخش أن يكون مردودا، فيقال: لا لبيك ولا سعديك! فليكن بين الخوف والرجاء مترددا، وعن حوله وقوته متبرأ، وعلى فضل الله وكرمه متكلا. فإن وقت التلبية هو بداية الأمر، وهو محل الخطر. وقد روي: (أن علي بن الحسين - عليهما السلام - لما أحرم، واستوت به راحلته، أصفر لونه وانتقص، ووقعت عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبي. فقيل له: لم لا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقول ربي: لا لبيك ولا سعديك! فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه) فليتذكر الملبي عند رفع الأصوات في الميقات خائفا راجيا، أنه إجابة لنداء الله تعالى: إذ قال تعالى:
(وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) (55).
ويتذكر من هذا النداء نداء الخلق بنفخ الصور، وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة لنداء الله، فمنقسمين إلى مقربين ومبعدين، ومقبولين ومرددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء، مثل تردد الحاج في الميقات، حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا.