من درجات السعادات بما يتفق لهم من الفترات ومفارقة السيئات المقتطفات، إذ أمثال الفترات ما يصدر عن السهو والغفلات لا يفسد النفس ولا يبطلها بحيث لا يقبل الإصلاح، أو يتوب ويستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب، فيقدم عليه عمدا وقصدا، لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها، إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات، وتارك لأكثر الذنوب مع القدرة والشهوة، وأنما قهره بعض الشهوات بحيث يغفل عند هيجانها ويرتكب مقتضاها من دون مجاهدة وندامة، وعند قضاء هذه الشهوة والفراغ عنها يتندم، ويقول سأتوب عنها، لكنه يسول نفسه ويسوف توبته يوما بعد يوم، والنفس التي هذه درجتها هي التي تسمى النفس المسؤولة المسؤول صاحبها، وإليها الإشارة بقوله تعالى:
(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) (22).
فنجاتها من حيث مواظبته على الطاعات وكراهته لما يتعاطاه مرجو، فعسى الله أن يتوب عليها، ولكن يخاف عليها من حيث تسويفها وتأخيرها، فربما اختطفها الموت قبل التوبة، ويقع أمرها في المشيئة، فيدخل في زمرة السعداء، أو يسلك في سلك الأشقياء، أو يتوب ويجري مدة على الاستقامة ثم يعود إلى الذنوب عمدا وقصدا، من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف ويتندم، بل ينهمك انهماك الغافل في الذنوب واتباع الشهوات وهذا معدود من المصرين، ونفسه محسوبة من النفوس الأمارة بالسوء الفرارة من الخير، ومثله أن مات على التوحيد وختم له بالحسنى وغلبت طاعاته على سيئاته كان من أهل الجنة، وأن ختم له بالسوء كان من أهل النار، وأن مات على التوحيد ولكن ترجحت سيئاته على حسناته فأمره إلى الله، ولعله يعذب في النار مدة بقدر زيادة سيئاته على حسناته، ثم يخلص منها بعميم لطفه.
فصل عدم الثقة بالاستقامة لا يمنع من التوبة إعلم أن من تاب ولا يثق من نفسه الاستقامة على التوبة فلا ينبغي