وينبغي أن تتذكر هاهنا خطر المقام بين يدي الله في هول المطلع عند التعرض للسؤال، وتذكر في الحال أنك قائم بين يدي الله وهو مطلع عليك، فليكن قيامك بين يديه على ما يليق بعظمته وجلاله، وأن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله، فلا تجعل مالك الملك والملكوت أنزل من بعض ملوك عصرك، فقم بين يديه قيامك بين يدي ملك زمانك، بل قدر في دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ بعين كالئة من رجل صالح من أهلك، أو ممن ترغب أن يعرفك بالصلاح، فإنه تهد عند ذلك أطرافك، وتخشع جوارحك ويسكن جميع أجزائك، خيفة أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع. وبالجملة الخضوع والخشوع والاستحياء والانفعال، يقتضيها الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا، فكيف لا يقتضيها بين يدي ملك الملوك عند من يعرفه؟
فمن يكون بين يدي غير الله خاشعا، ولا يكون بين يدي الله كذلك، فذلك لقصور معرفته عن جلال الله وعن اطلاعه على سره وضميره، وعدم تدبره في قوله - تعالى -:
(الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين) (29).
فتبا لمن يدعي معرفة الله والعلم بعظمته وجلاله وحبه والخشية منه، ومع ذلك يستحي من أحد عبيده المساكين الذي لا يقدر على نفع ولا ضر، ولا يستحي من الله، ويخشى الناس، ولا يخشاه!
فصل التكبيرات وأما التوجه بالتكبيرات، فينبغي أن تستحضر عندك عظمة الله وجلاله وصغر نفسك وذلتها في جنب عظمته، وقصورك عن القيام بوظائف خدمته.
وإذا قلت: (اللهم أنك أنت الملك الحق) فتذكر عظيم ملكه، وعموم قدرته واستيلاءه على جميع العوالم، ثم ارجع على نفسك بالذل والانكسار.
وإذا قلت: (لبيك وسعديك! والخير في يديك، والشر ليس إليك)، مثل نفسك بين يديه، وتيقن أنه أقرب منك من نفسك، يسمع نداءك، ويجيب دعاءك، وإن خير الدنيا والآخرة بيده لا بيد غيره، وإنه خير محض