منزه عن الشر. وإذا قلت: (عبدك وابن عبديك، منك وبك ولك وإليك) فقد اعترفت له بالعبودية، وبأنه ربك وخالقك ومالكك، وموجدك ومخترعك وأنت أثره وفعله ومنه وجودك، وبه قوامك، وله ملكك، وإليه معادك فأنت منه، فلا يتركك ويرحمك، فألق نفسك الضعيفة العاجزة بين يديه، وكل أمورك في الدنيا والآخرة إليه، ولا تعتمد في مقاصدك إلا عليه فأحضر في ذهنك في هذه الفقرات وغيرها من الكلمات التي ينطق بها لسانك أمثال هذه الحقائق، وترق منها إلى ما يفتح عليك من الأسرار والدقائق، واحفظ نفسك عن الوقوع في أودية الوساوس والهوى، فتلق الفيض من العالم الأعلى.
فصل النية وأما النية، فحقيقتها القصد إلى الفعل، امتثالا لأمر الله، وطلبا لتقربه ورجاء لثوابه، وخوفا من عقابه. فينبغي أن تجتهد في خلوصها ألا يشوبها غرض دنيوي فتفسد، وحقيقة الإخلاص وما يتعلق بها قد تقدمت مفصلة في محلها. وينبغي أن تتذكر هاهنا عظيم لطفه ومنته عليك، حيث أذنك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة جنايتك، وعظم في نفسك قدر مناجاته.
وانظر من تناجي، وكيف تناجي، وبماذا تناجي، وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجلة، وترتعد فرائصك من الهيبة، ويصفر وجهك من الخوف والخشية.
فصل تكبيرة الاحرام وإذا كبرت تكبيرة الاحرام، تذكر أن معناها: أنه - تعالى - أكبر من أن يوصف أو أكبر من كل شئ، أو أكبر من أن يدرك بالحواس، أو يقاس بالناس. فانتقل منه إلى غاية عظمته وجلاله، واستناد ما سواه إليه، بالإيجاد والاختراع والإخراج من كتم العدم. وينبغي أن تكون على يقين بذلك، حتى لا يكذب لسانك قلبك، فإن كان في قلبك شئ هو أكبر من الله - تعالى - عندك، فالله يشهد أنك كاذب، وإن كان الكلام صدقا، كما