فإن قيل: ما ذكرت لا يفيد أزيد من أن العمل إذا كان مع النية يكون كل من العمل والنية خيرا وذا ثواب، وإذا كان بدونها لا يكون خيرا ولا يكون له ثواب، والمقصود كون النية خيرا من العمل في الصورة الأولى وكون ثوابها أعظم، ولم يظهر وجه الخيرية مما ذكرت.
قلت: ذلك وإن ظهر إجمالا، إلا أنه لا بد لتوضيحه لتظهر جلية الحال، فنقول:
الوجه في كون النية خيرا من العمل وراجحة عليه في الثواب: أنه لا ريب في أن المقصود من الطاعات شفاء النفس وسعادتها في الآخرة وتنعمها بلقاء الله - سبحانه -، والوصول إلى اللقاء موقوف على معرفة الله وحبه وأنسه، وهي موقوفة على دوام الفكر والذكر الموجبين لانقطاع النفس من شهوات الدنيا وتوجهها إلى الله - سبحانه -، فإذا حصل بمجرد المعرفة الحاصلة من الفكر ميل وتوجه إلى الله - تعالى - كان ضعيفا غير راسخ وإنما يترسخ ويتأكد بالمواظبة على أعمال الطاعات وترك المعاصي بالجوارح لأن بين النفس وبين الجوارح علاقة يتأثر لأجلها كل واحد منها عن الآخر، فيرى أن العضو إذا أصابته جراحة تتألم بها النفس، وإن النفس إذا تألمت بعلمها بموت عزيز أو بهجوم أمر مخوف تأثرت الأعضاء وارتعدت الفرائص، فالطاعات التي هي فعل الجوارح إنما شرعت للتوصل بها إلى صفة النفس - أعني التوجه والميل إلى الله سبحانه -، فالنفس هو الأصل المتبوع والأمير، والجوارح كالخدم والأتباع، وصفات القلب هي المقصود لذاتها، وأفعال الجوارح هي المطلوبة بالعرض، لكونها مؤكدة وموجبة لرسوخ النفس - أعني الميل والنية والتوجه - ولا ريب في أن ما هو المقصود بالذات خير مما هو مقصود بالعرض، وثوابه أعظم من ثوابه.
ومن المعاني الصحيحة للحديث: إن المؤمن بمقتضى إيمانه ينوي خيرات كثيرة لا يوفق لعملها، إما لعدم تمكنه من الوصول إلى أسبابها، أو لعدم مساعدة الوقت على عملها، أو لممانعة رذيلة نفسانية عنها بعد الوصل إلى أسبابها، كالذي ينوي إن آتاه الله مالا ينفقه في سبيله، ثم لما آتاه يمنعه البخل عن الإنفاق، فهذا نيته خير من عمله، وأيضا المؤمن ينوي دائما أن