عن اضطرار متصل بالتلف: ومثل ذلك يفعل من يرى القيامة بأهوالها شدائدها قائمة في كل نفس، ويعاين بالقلب الوقوف بين يدي الجبار، حينئذ يأخذ نفسه بالمحاسبة، كأنه إلى عرصاتها مدعو وفي غمراتها مسؤول، قال الله - تعالى -:
(وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) (36). (37).
وقال الكاظم (ع): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد الله - تعالى - وإن عمل سيئة استغفر الله منها وتاب إليه). وفي بعض الأخبار: ينبغي أن يكون للعاقل أربع ساعات: ساعة يحاسب فيها نفسه..
فصل مقامات مرابطة العقل للنفس إعلم أن العقل بمنزلة تاجر في طريق الآخرة، ورأس ماله العمر، وقد استعان في تجارته هذه بالنفس، فهي بمنزلة شريكه أو غلامه الذي يتجر في ماله، وربح هذه التجارة تحصيل الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة الموصولة إلى نعيم الأبد وسعادة السرمد، وخسرانها المعاصي والسيئات المؤدية إلى العذاب المقيم في دركات الجحيم، أو نقول: رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي، وموسم هذه التجارة مدة العمر، وكما أن التاجر يشارط شريكه أولا، ويراقبه ثانيا، ويحاسبه ثالثا وإن قصر في التجارة - بالخيانة والخسران وتضييع رأس المال - يعاتبه ويعاقبه ويأخذ منه الغرامة، كذلك العقل يحتاج في مشاركة النفس إلى أن يرتكب هذه الأعمال، ومجموع هذه الأعمال يسمى ب (المحاسبة والمراقبة) تسمية الكل باسم بعض أجزائه، وقد يسمى (مرابطة) أيضا.
فأول الأعمال في المرابطة (المشارطة): وهي أن يشارط النفس ويأخذ منها العهد والميثاق في كل يوم وليلة مرة ألا يرتكب المعاصي، ولا