نزل بعض أهل الله عندنا بالمحصب (41) وكان له أهل وبنات، وفي كل ليل يقوم ويصلي إلى السحر، فإذا كان السحر ينادي بأعلى صوته: أيها الركب المعرسون! (42) أكل هذا الليل تنامون فكيف ترحلون؟ فيسمع صوته كل من كان بالمحصب، فيتواثبون بين باك وداع، وقارئ ومتوضئ وإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السري).
وهكذا كان عمل عمال الله وسلوك سالكي طريق الآخرة، وحكاياتهم غير محصورة خارجة عن الاحصاء، أشرنا إلى أنموذج منها ليعلم الطالبون كيفية سيرة الرجال في مرابطة النفس ومراقبتها، ويعلمون أن عباد الله ليسوا أمثالنا، بل هم قوم آخرون. قال بعض الحكماء: (أن لله عبادا أنعم عليهم فعرفوه وشرح صدورهم فأطاعوه، وتوكلوا عليه فسلموا الخلق والأمر إليه، فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين، وبيوتا للحكمة، وتوابيت للعظمة وخزائن للقدرة، فهم بين الخلائق مقبلون ومدبرون، وقلوبهم تجول في الملكوت، وتلوز (43) بحجب العيوب، ثم ترجع ومعها طوائف من طوائف الفوائد ما لا يمكن لواصف أن يصفها، فهم في باطن أمورهم كالديباج حسنا، وفي الظاهر مناديل مبذولون لمن أرادهم تواضعا، وطريقهم لا يبلغ إليها بالتكلف وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء). فعليك يا حبيبي بمطالعة أحوالهم وحكاياتهم، لينبعث نشاطك وتزيد رغبتك، وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك ولعمري! قل في أمثال زماننا من يذكر الله رؤيته، ويعينك في طريق الدين صحبته، فإن تطع أكثر من في بلدي وعصرك يضلوك عن سبيل الله.
ومنها:
الغفلة وهي فتور النفس عن الالتفات والتوجه إلى ما فيه غرضها ومطلبها، إما عاجلا أو آجلا. وضدها: النية، وترادفها: الإرادة والقصد، وهي انبعاث