تهوى الأنفس. وإذا توقف التوكل على اليقين وقوة القلب، وارتفع بضعف أحدهما، يظهر أن التوكل من الفضائل المتعلقة بقوتي العاقلة الغضبية معا، وضده - أعني عدم التوكل - من رذائل أحدهما أو كليهما. ثم، إنك قد عرفت في باب التوحيد، أن عماد التوكل وما يبتني عليه، هو المرتبة الثالثة من التوحيد، وهي أن ينكشف للعبد بإشراق نور الحق، بأنه لا فاعل إلا هو، وإن ما عداه من الأسباب والوسائط مسخرات مقهورات تحت قدرته الأزلية. فطالب التوكل يلزم عليه أن يحصل هذه المرتبة من التوحيد ليحصل له التوكل. وقد عرفت - أيضا - أن المرتبة الثانية منه - أعني التوحيد الاعتقادي - إذا قويت ربما أورثت حال التوكل، إلا أن التوكل كما ينبغي موقوف على المرتبة الثالثة منه.
فصل فضيلة التوكل التوكل منزل من منازل السالكين ومقام من مقامات الموحدين، بل هو أفضل درجات الموقنين. ولذا ورد في مدحه وفضله وفي الترغيب فيه ما ورد من الكتاب والسنة، قال الله - تعالى -:
(وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) (30) وقال: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (31). وقال: (إن الله يحب المتوكلين) (32). وقال: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (33). وقال:
(ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) (34):
أي عزيز لا يذل من استجار به، فلا يضع من لاذ بجنابه، وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره. وقال رسول الله (ص): (من انقطع إلى الله، كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب. ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها). وقال (ص): (من سره أن يكون