أم لعذاب فأحب النبي (ص) أن يفزع أمته إلى خالقه وراحمه عند ذلك ليصرف عنهم شرها، ويقيهم مكروها، كما صرف عن قوم يونس (ع) حين تضرعوا إلى الله تعالى). المقصد الثالث الذكر - فضيلة الأذكار - الدعاء إعلم أنه ينبغي لكل مؤمن أن يكثر من الذكر والدعاء، لا سيما عقيب الصلاة المفروضة. وقد ورد في فضائلها من الآيات والأخبار ما يمكن إحصاؤه ولاشتهارها لا حاجة إلى ذكرها هنا.
فصل الذكر أما الذكر فالنافع منه هو الذكر على الدوام، أو في أكثر الأوقات، مع حضور القلب، وفراغ البال، والوجه الكلي إلى الخالق المتعال، حتى يتمكن المذكور في القلب، ويتجلى عظمته الباهرة عليه، وينشرح الصدر بشروق نوره عليه، وهو غاية ثمرة العبادات، وللذكر أول وآخر، فأوله يوجب الأنس والحب، وآخره يوجبه الأنس والحب، والمطلوب منه ذلك الحب والأنس. فإن العبد في بداءة الأمر يكون متكلفا بصرف قلبه ولسانه عن الوساس والفضول إلى ذكر الله، فإن وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور، ومن أحب شيئا أكثر ذكره، ومن أكثر ذكر شئ، وإن كان تكلفا، أحبه. ومن هنا قال بعضهم: (كاءدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة) ولا تصدر النعم من الأنس والحب، ولا يصدر الأنس والحب إلا من المداومة على المكاءدة والتكلف مدة طويلة، حتى يصير التكلف طبعا. وكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولا، ويكائد أكله، ويواضب عليه، فيصير موافقا لطبعه حتى لا يصبر عنه؟
فالنفس تصير معتادة متحملة لما تكفلت: (هي النفس ما عودتها تتعود) ثم إذا حصل الأنس بذكر الله انقطع عن غير الله، وما سوى الله يفارقه عند الموت، ولا يبقى إلا ذكر الله، فإن كان قد أنس به تتمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه، إذ ضرورات الحاجات في الحياة تصد عنه