النسوان الجميلة والخنفساء، كيف والتفاوت في الثاني متناه وفي الأول غير متناه، وأي نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي؟
فصل نية المؤمن خير من العمل لما عرفت أن النية روح العمل وحقيقته، وتوقف نفع العمل عليها دون العكس، وكون الغرض الأصلي من العمل تأثير القلب بالميل إلى الله تعالى وتوقفه على النية، فهي خير من العمل، بمعنى أن العمل إذا حلل إلى جزئية يكون جزؤه القلبي - أعني النية - خيرا من جزئه الجسماني - أعني ما يصدر من الجوارح -، والثواب المترتب عليه أكثر من الثواب المترتب عليه، ولذا قال الله - سبحانه:
(لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (6).
فإن المقصود من إراقة دم القربان ميل القلب عن حب الدنيا، وبذلها إيثارا لوجه الله، دون مجرد الدم واللحم، وميل القلب إنما يحصل عند جزم النية والهم، وإن عاق عن العمل عائق، (فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)، والتقوى صفة القلب، ولذا ترى أن المجامع امرأته على قصد أنها غيرها آثم، بخلاف المجامع غيرها على أنها امرأته، ولذا ورد: أن من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، لأن هم القلب هو ميله إلى الخير وانصرافه عن الهوى، وهو غاية الأعمال الحسنة، وإنما الإتمام بالعمل يزيدها تأكيدا. وبما ذكر ظهر معنى الحديث المشهور: (نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله). وكل عامل يعمل على نيته.
وحاصله: إن كل طاعة تتضمن نية وعملا، وكل منهما من جملة الخيرات، وله أثر في المقصود، وتكون النية خيرا من العمل وأثرها أكثر من أثره. والغرض: أن للمؤمن اختيارا في النية وفي العمل، فهما عملان، والنية من الجملة خيرهما، أي النية التي هي جزء من طاعته خير من عمله الذي هو جزؤها الآخر.