والتمييز بين مخارج الحروف المتقاربة من غير اهتمام فيما عدا ذلك، من حضور القلب والتفكير في معاني الأذكار، ضنا منه أنه إذا صحت القراءة فالصلاة مقبولة، وهذا أقبح أنواع الغرور.
و (منهم) من أغتر بالصوم، وربما صام الأيام الشريفة، بل صام الدهر، ولم يحفظ لسانه عن الغيبة، ولا بطنه عن الحرام عند الافطار، ثم يظن بنفسه الخير، وذلك في غاية الغرور.
(ومنهم) من اغتر بالحج، فيخرج إلى الحج من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون وطلب الزاد الحلال، ويضيع في الطريق الصلاة، ويعجز عن طهارة الثوب والبدن، ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الأخلاق وذمائم الصفات، ومع ذلك يظن أنه على خير. فهو في غاية الغرور.
و (منهم) من أغتر بقراءة القرآن، فيهذ هذا، وربما يختم في اليوم والليلة مرة، فيجري به لسانه، وقلبه مرددا في أودية الأماني، وربما أسرع في القراءة غاية السرعة، ويظن أن سرعة اللسان من الكمالات، ويتفاخر به على الأمثال والأقران.
(ومنهم) من أغتر ببعض النوافل، كصلاة الليل، أو مجرد غسل الجمعة أو أمثال ذلك، من غير اعتداد بالفرائض، زاعما أن المواظبة على مجرد هذه النافلة ينجيه في الآخرة، فهو أيضا من المغرورين.
(ومنهم) من تزهد وقنع بالدون من المطعم والملبس والمسكن، ظانا أنه أدرك رتبة الزهاد، ومع ذلك راغب في الرئاسة باشتهاره بالزهد، فهو ترك أهون المهلكين بأعظمها، إذ حب الجاه أشد فسادا من حب المال.
ولو ترك الجاه وأخذ المال لكان أقرب إلى السلامة، فهو مغرور إذ ظن أنه من الزهاد، ولم يعرف أن منتهى لذات الدنيا الرئاسة، وهو يحبها، فكيف يكون زاهدا؟
الطائفة السادسة المتصوفة والمغترون فيهم أكثر من أن يحصى:
(فمنهم) أرباب البوقات، وهم القلندرية الذين لا يعرفون معنى