خفي لإفراط الظهور تعرضت * لإدراكه أبصار قوم أخافش وحظ عيون الزرق من نور وجهه * لشدته حظ العيون العوامش قال أمير المؤمنين (ع): (لم تحط الأوهام، بل تجلى لها بها، وبها امتنع منها) وقال (ع): (ظاهر في غيب، وغائب في ظهور). وقال (ع):
(لا تجنه البطون عن الظهور، ولا تقطعه الظهور عن البطون، قرب فنأى وعلا فدنا، وظهر فبطن وبطن فعلن، ودان ولم يدن): أي ظهر وغلب، ولم يغلب. ومن هناك قيل: (عرفت الله بجمعه بين الأضداد).
فصل علائم محبة الله محبة العبد لله - سبحانه - له علامات:
الأولى - أن يحب لقاؤه بطريق المشاهدة والعيان في دار السلام، ولتوقفه على الموت يحب الموت ويتمناه، إذ كل من يحب شيئا يحب لقاؤه ووصله، وإذا علم أنه يمتنع الوصول إليه إلا بالارتحال من الدنيا بالموت لأحب الموت لا محالة، وكيف يثقل على المحب أن يسافر من وطنه إلى مستقر محبوبه ليتنعم بمشاهدته، ولذا قال (حذيفة عند موته: (حبيب جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم). قال بعض الأكابر: (لا يكره الموت إلا مريب، لأن الحبيب لا يكره لقاء الحبيب على كل حال).
ثم من يكره الموت، فإن كانت كراهته له لحب الدنيا والتأسف على فراق الأهل والأولاد والأموال، وكان حبه للدنيا وتأسفه على مفارقتها في غاية الكمال، بحيث لم يحب الموت ولم يسر قلبه أصلا بما يترتب عليه من لقاء الله - تعالى -، ولم يجد في قلبه شوقا إليه مطلقا فلا ريب في كون مثل هذه الكراهة منافيا لأصل الحب، ولو لم يكن حبه للدنيا في غاية الكمال، بحيث لم يجد في قلبه ميلا إلى ما يترتب على الموت من لقاء الله، بل كان محبا للدنيا إلا أنه كان له شوق إلى لقاء الله - تعالى - أيضا أو كان لذلك كراهته للموت ضعيفة، فمثل هذا الحب للدنيا ينافي كمال حب الله، لأن الحب الكامل هو الذي يستغرق كل القلب، ولا يبعد أن تكون معه شائبة ضعيفة من حب الله، فإن الناس متفاوتون في حب الله،