لصاحب العلم المكنون من الأنبياء والأولياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . ومنهم: من لم يبلغ قوة إيمانه ويقينه حدا تغيب عن نظره الأسباب والوسائط، ويكون مقصور الالتفات إلى جانب الحق. فهذا هو الذي لا ينبغي له أن يعرض عن الأسباب ويتركها، لأن مثله ليس له المظنة التي توصله إلى المقصد بدون الوسائط: أعني قوة التوكل على الله واليقين به سبحانه فصل تفنيد زعم بعض الناس زعم: أن حق التوكل أن يكتفي بالأسباب الخفية عن الأسباب الجلية، كأن يسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس بغير زاد بعد أن راض نفسه على جوع الأسبوع وما يقاربه، بحيث يصبر عنه من غير ضيق قلب، واضطراب نفس، وتشويش خاطر وفتور في ذكر الله، وبعد أن يكون بحيث يقوى على التقوت بالحشيش وما يتفق له، وأن يوطن نفسه على أنه مات جوعا كان خيرا له في الآخرة وكأن يجلس في مسجد أو بيته ويترك الكسب، ويتفرغ للعبادة والفكر والذكر، واستغراق وقته بها، بحيث لا يستشرف نفسه إلى الناس في انتظاره ومن يدخل فيحمل إليه شيئا، بل يكون قوي القلب في الصبر والاتكال على الله. وهذا محض الخطأ، إذ من جاهد نفسه وراضها بحيث يصبر على جوع الأسبوع، ويمكنه التقوت بالحشيش، صارت الأسباب له جليه فإن عدم الحاجة أحد الغنائين. ثم إن كان اعتماده - حينئذ - على صبره وتمكنه من التقوت بالحشيش، فأين التوكل؟ وإن كان وثوقه بالله وحده فليقم في بلده مع الأسباب، كما أمر الله به في الشرع. وأما توطين نفسه باختياره على الموت، فممنوع عقلا، ومحرم شرعا. قال الله - سبحانه -:
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)