(وقليل من عبادي الشكور). وتمام الشكر الاعتراف بلسان السر، خاضعا لله بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها، وهي أعظم قدرا وأعز وجودا من النعمة التي من أجلها وفقت له، فليزمك على كل شكر شكر أعظم منه، إلى ما لا نهاية له، مستغرقا في نعمه، قاصرا عاجزا عن درك غاية شكره، وأنى يلحق العبد شكر نعمة الله، ومتى يلحق صنيعه بصنيعه، والعبد الضعيف لا قوة له أبدا إلا بالله - عز وجل - والله غني عن طاعة العبد قوي على مزيد النعم على الأبد، فكن لله عبدا شاكرا على هذا الأصل، ترى العجب (5) ثم كما إن الشكر من المنجيات الموصلة إلى سعادة الأبد وزيادة النعمة في الدنيا، فضده أعني الكفران - من المهلكات المؤدية إلى شقاوة السرمد وعقوبة الدنيا وسلب النعم. قال الله - سبحانه -:
(فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) 6. وقال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 7 وقال الصادق (ع) إشكر من أنعم عليك. وانعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت. الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير، أي من التغيير). فصل الشكر نعمة يجب شكرها لما كانت حقيقة الشكر عبارة عن عرفان كل النعم من الله مع صرفها في جهة محبة الله، فالشكر على كل نعمة على أن تعرف كونها من الله وتصرفها في جهة محبته. ولا ريب في أن هذه المعرفة والصرف أيضا نعمة من الله، إذ جميع ما يتعاطاه باختيارنا نعمة من الله، لأن جوارحنا، وقدرتنا، وإرادتنا، ودواعينا، وإفاضة المعارف علينا، وسائر الأمور التي هي أسباب حركاتنا، بل نفس حركاتنا، من الله. وعلى هذا، فالشكر على كل نعمة