(كل حزب بما لديهم فرحون) 17 وإذا كان الأمر هكذا، فأنى له لا يشكر الله على ذلك مع قطع النظر عن النعم العامة؟ ولو لم يكن لشخص من نعم الله إلا الأمن والصحة والقوة لعظمت النعمة في حقه، ولم يخرج عن عهدة الشكر. قال رسول الله (ص):
(من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، وعنده قوت يومه، فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها). ومهما فتشت الناس، لوجدتهم يشكون عن أمور وراء هذه الثلاث، مع أنها وبال عليهم. بل لو لم تكن للانسان نعمة سوى الإيمان الذي به وصوله إلى النعيم المقيم والملك العظيم، لكان جديرا به أن يستعظم النعمة ويصرف في الشكر عمره. بل ينبغي للعاقل ألا يفرح إلا بالمعرفة واليقين والإيمان. ونحن نعلم من العلماء من لو سلم إليه جميع ما دخل تحت ملوك الأرض من الشرق إلى الغرب، من أموال وأتباع، وأنصار وبلدان وممالك، بدلا عن عشر عشير من علمه لم يأخذه، لرجائه أن نعمة العلم تفضي به إلى قرب الله - تعالى - بالآخرة. بل لو سلم إليه جميع ذلك عوضا عن لذة العلم في الدنيا، مع نيله في الآخرة إلى ما يرجوه، لم يأخذه ولم يرض به، لعله بأن لذة العلم دائمة لا تنقطع، وثابتة لا تسرق ولا تغصب، وصافية لا كدورة فيها بخلاف لذات الدنيا.
فصل طريق تحصيل الشكر الطريق إلى تحصيل الشكر أمور:
الأول - المعرفة والتفكر في صنائعه - تعالى -، وضروب نعمه الظاهرة والباطنة والعامة والخاصة.
الثاني - النظر إلى الأدنى في الدنيا وإلى الأعلى في الدين.
الثالث - أن يحضر المقابر، ويتذكر أن أحب الأشياء إلى الموتى وأهم سؤالهم ودعواهم من الله أن يردوا إلى الدنيا، ويتحملوا ضروب الرياضات ومشاق العبادات في الدنيا، ليتخلصوا في الآخرة من العذاب،