كما تتأهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا، وتلقاه بالسكينة والوقار والخوف والرجاء، واستحضر عظمة الله وجلاله، وعدم تناهي قدرته وكماله ونقصان قدرك ومرتبتك، وعدم قابليتك للقيام بخدمته، وقصورك عن أداء وظائف طاعته.
فصل آداب الصلاة إذا أتيت بالطهارة في مكانك، وهو ظرفك الأبعد، ثم في ثيابك، وهو غلافك الأقرب، ثم في بشرتك، وهي قشرك الأدنى، فلا تفعل عن لبك وذاتك، وهو قلبك، فطهره بالتوبة والندم على ما فرط، وتصميم العزم على الترك في المستقبل، فطهر بها باطنك، فإنه موضع نظر ربك.
ثم إذا سترت مقابح بدنك عن أبصار الخلق باللباس، فأخطر بالك فضائح سرك التي لا يطلع عليها إلا ربك، وطالب نفسك بسترها، وتحقق أنه لا يستر عن عين الله ساتر، وإنما يكفرها الخوف والندم والحياء، فتستفيد بإظهارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والندم والحياء من مكامنها، فتذل به نفسك، ويستكين تحت الخجلة قلبك، وتقوم بين يدي الله تعالى قيام العبد المجرم المسئ الآبق، الذي ندم فرجع إلى مولاه، ناكسا رأسه من الخوف والحياء. قال الصادق (ع): (أزين اللباس للمؤمن لباس التقوى، وأنعمه الإيمان، قال الله تعالى:
(ولباس التقوى ذلك خير) (23) وأما اللباس الظاهر، فنعمة من الله تعالى تستر بها عورات بني آدم، وهي كرامة أكرم الله بها ذرية آدم ما لم يكرم بها غيره، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم. وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عز وجل، بل يقربك من ذكره وشكره وطاعته، ولا يحملك على العجب والرياء والتزين والتفاخر والخيلاء، فإنها من آفات الدين، ومورثة للقسوة في القلب.
فإذا لبست ثوبك، فأذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته، والبس باطنك بالصدق كما البست ظاهرك بثوبك، وليكن باطنك من الصدق في ستر