إن كان من النعم العقلية الروحانية، يكون متعلقا بالعاقلة أيضا، وإن كان لأجل وصول نعمة الغلبة والاستيلاء - مثلا - على عدو ظالم، يكون متعلقا بالقوة الغضبية، وإن كان من نعمة المال والأولاد، يكون متعلقا بالقوة الشهوية. والجزء الثالث - أعني العمل بمقتضى الفرح الحاصل من معرفة المنعم - فهو من ثمرات الحب للمنعم والخوف من زوال نعمته. وبهذا يظهر: أن الشكر والكفران من متعلقات القوى الثلاث، الأول من فضائلها إذا امتزجت وتسالمت، والثاني من رذائلها.
فصل فضيلة الشكر الشكر أفضل منازل الأبرار، وعمدة زاد المسافرين إلى عالم الأنوار، وهو موجب لدفع البلاء وازدياد النعماء. وقد ورد به الترغيب الشديد، وجعله الله سببا للمزيد. قال الله - سبحانه -:
(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) (47). وقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (48) وقال: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) (49). وقال (وسنجزي الشاكرين)) 50 ولكونه غاية الفضائل والمقامات، ليس لكل سالك أن يصل إليه، بل ليس الوصول إليه إلا لأوحدي من كمل السالكين. ولذا قال الله رب العالمين:
(وقليل من عبادي الشكور) 51 وكفى به شرفا وفضلا، أنه خلق من أخلاق الربوبية، كما قال الله - سبحانه -: (والله شكور حليم) 1. وهو فاتحة كلام أهل الجنة وخاتمته، كما قال الله - تعالى -: (وقالوا الحمد