جميع الوجوه لا يتصور أن يكون له شوق، فالشوق يختص تعلقه بما أدرك من وجه دون وجه، وهذا إنما يكون بأحد وجهين:
(أحدهما) أن يتضح الشئ اتضاحا ما، ولم يستكمل الوضوح، فاحتاج إلى استكماله فيكون الشوق إلى ما بقي من المطلوب مما لم يحصل.
مثال ذلك: إن من غاب عنه معشوقه، وبقي في قلبه خياله، يشتاق إلى استكمال خياله بالرؤية، ومن رأى معشوقه في ظلمة، بحيث لا تنكشف له حقيقة صورته، يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه، فلو رآه بتمام الرؤية انتفى الشوق، كما إنه لو انمحى عن قلبه ذكره وخياله ومعرفته حتى نسيه لم يعقل وجوده.
(وثانيهما) أن يدرك بعض كمالات المحبوب، ووصل إليه، وعلم إجمالا أن له كمالات أخر، ولم يدركها ولم يصل إليها، فيكون له شوق إلى إدراك تلك الكمالات. مثال ذلك: أن يرى وجه محبوبه، ولا يرى شعره ولا سائر أعضائه، فيشتاق إلى رؤية ذلك.
فصل أفضل مراتب الشوق الشوق إلى الله أفضل مراتب الشوق هو الشوق إلى الله - سبحانه - وإلى لقائه، وهي المضنة إلى الوصول إليه، وإلى حبه وأنسه والتقرب لديه، وهو رأس مال السالكين، ومفتاح أبواب السعادة للطالبين، والوجهان الموجبان للشوق متصوران في حق الله، بل هما ثابتان وملازمان لجميع العارفين، فلا يخلو عارف من الشوق إلى الله:
أما الوجه الأول، فلأن ما اتضح للعارفين مع الأمور الآلهية وأن بلغ غاية الوضوح، فكأنه من وراء ستر رقيق، فلا يكون متضحا غاية الاتضاح بل يكون مشوبا بشوائب التخيلات المكدرة للمعلومات والمانعة عن ظهورها اليقيني، (لا) سيما إذا انضاف إليها شواغل الدنيا، فكمال الوضوح في الأمور الآلهية إنما هو بالمشاهدة وإشراق التجلي، ولا يكون ذلك في هذا العالم، بل يكون في الآخرة، فهذا أحد الموجبين لشوق العارفين إلى الله