الذي هو سبب الصحة، والعالم الذي هو سبب العلم، ومعطي الطعام والشراب والمرأة التي هي آلة الوقاع: محبوبة لا لذواتها، بل من حيث أنها وسائل إلى ما هو محبوب لذاته، فإذن يرجع الفرق إلى تفاوت الرتبة، والكل يرجع إلى محبة الإنسان نفسه، فمن أحب المحسن لإحسانه فما أحب ذاته تحقيقا، بل أحب إحسانه، ولو زال إحسانه زال حبه مع بقاء ذاته، ولو نقص نقص الحب، ولو زاد زاد. وبالجملة: يتطرق إلى حبه الزيادة والنقصان بحسب زيادة الإحسان ونقصانه.
الرابع - أن يحب الشئ لذاته، لا لحظ يناله منه وراء ذاته، بل تكون ذاته عين حظه، وهذا هو الحب الحقيقي البالغ الذي يوثق به، وذلك كحب الجمال والحسن، فإن كل جمال محبوب عند مدركه، وذلك لعين الجمال، لأن إدراك الجمال عين اللذة، واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها.
ولا تظن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة، فإن قضاء الشهوة لذة حيوانية، وقد يحب الإنسان الصور الجميلة لأجلها، وإدراك نفس الجمال لذة أخرى روحانية يكون محبوبا لذاتها، ولا ريب في أن حب الصور الجميلة بالجهة الأولى مذموم، وبالجهة الثانية ممدوح، والعشق الذي يقع لبعض الناس من استحسان الصور الجميلة يكون مذموما أن كان سببه اللذة الشهوية الحيوانية، ويكون ممدوحا أن كان سببه الابتهاج بمجرد أدراك الجمال، ولأجل التباس السبب في هذا العشق أختلف العقلاء في مدحه وذمه، وكيف ينكر حب الصور الجميلة لنفس جمالها من دون قصد حظ آخر، مع أن الخضرة والماء الجاري محبوبان لا لتؤكل الخضرة ويشرب الماء، أو ينال منهما حظ سوى نفس الرؤية، وقد كان رسول الله (ص) تعجبه الخضرة والماء الجاري والطباع الصافية السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة الألوان الحسنة النفس المناسبة الشكل، حتى الإنسان لتتفرج عنه الغموم بمجرد النظر إليها من دون قصد حظ آخر منها. وبما ذكرناه ظهر ضعف ظن بعض ضعفاء العقول، حيث زعموا أنه لا يتصور أن يحب الإنسان غيره لذاته، ما لم يرجع منه حظ إلى المحب سوى إدراك ذاته، ولم يعلموا أن الحسن والجمال