المقيد ثم يأتي في باب الصبر: إن الصبر قد يكون على الطاعة وعلى المعصية، وفيهما يتحقق الشكر والصبر، إذ الشكر - كما عرفت - هو - عرفان النعمة من الله والفرح به، وصرف النعمة إلى ما هو المقصود منها بالحكمة، والصبر - كما يأتي - وهو ثبات باعث الدين، أعني العقل النظري، في مقابلة باعث الهوى، أعني القوة الشهوية. ولا ريب في أنه في أداء الطاعة وترك المعصية يتحقق الثبات المذكور، إذ هو صرف النعمة إلى ما هو المقصود، إذ باعث الدين إنما خلق لحكمة دفع باعث الهوى، وقد صرفه إلى مقصود الحكمة. وأنت خبير بأنه وأن تحقق الشكر والصبر في هذه الطاعة وترك هذه المعصية، إلا أن ما تصبر عليه هو هذه الطاعة وترك هذه المعصية، إذ الصبر إنما هو عليهما، وأما الشكر فعلى باعث الدين أعني العقل الباعث لهذه الطاعة وترك هذه المعصية، فالمشكور عليه هو باعث الدين دون نفس الطاعة وترك المعصية، فاختلف فيهما الصبر والشكر في المتعلق، أي ما يصبر عليه وما يشكر عليه، واتحدا في فعل الصبر والشكر إذ فعل الصبر هو الثبات والمقاومة، وهو عين الطاعة وترك المعصية، وفعل الشكر هو صرف النعمة في مقصود الحكمة، وهو أيضا عين الطاعة وترك المعصية. ويمكن أن يقال: إن من فعل هذه الطاعة، وترك هذه المعصية عرف كونهما من الله وفرح به، ويعمل طاعة أخرى شكرا له. وعلى هذا فيتحد متعلقا الشكر والصبر في هذه الطاعة وترك هذه المعصية، أعني المشكور عليه وما يصبر عليه، إذ هما نفس هذه الطاعة وترك هذه المعصية بعينها، ويختلف فعلاهما. إذ فعل الصبر هو هذه الطاعة وترك هذه المعصية، وفعل الشكر تحميد أو طاعة أخرى.
فصل الصحة خير من السقم لا تظنن مما قرع سمعك من فضيلة البلاء وأدائه إلى سعادة الأبد أنه خير من العافية في الدنيا، بل مع ذلك كله العافية في الدنيا خير من البلاء والمصيبة فيها فإياك أن تسأل من الله البلايا والمصائب في الدنيا، فإن رسول الله (ص) كان يستعذ في دعائه من بلاء الدنيا ومن بلاء الآخرة، وكان يقول هو