ولا يكون حبه في حالة البلاء كحبه في حالة الرخاء والنعماء. وأما من يحبه لذاته، أو بسبب كماله وجماله ومجده وعظمته، فإنه لا يتفاوت حبه بتفاوت الإحسان إليه.
فصل الواجب أظهر الموجودات عجبا لأقوام عميت قلوبهم عن معرفة الله - سبحانه -، مع أن الله - تعالى - أظهر الموجودات وأجلاها، لأن البديهة العقلية قاضية بأنه يجب أن يكون في الوجود موجود قائم بذاته، أي ما هو صرف الوجود، ولولاه لم يتحقق موجود أصلا، يتحقق صرف الوجود القائم بذاته المقوم لغيره أظهر وأجلى من تحقق كل موجود بغيره عند البصيرة الصافية، قال الله - سبحانه -:
(الله نور السماوات والأرض) (37) والنور هو الظاهر لنفسه المظهر لغيره، ومبدأ الإدراك من المدرك إنما هو الوجود، فكلما أدركته إنما تدرك أولا وجوده، وإن لم تشعر بذلك. ولا ريب في أن الظاهر لنفسه أظهر من الظاهر بغيره، وأيضا كل موجود سوى الله - سبحانه - يعلم وجوده بقليل من الآثار، فإن وجود الحياة لزيد - مثلا - لا يدل عليه إلا حركته وتكلمه وبعض أخر من إعراض نفسه، ولا يدل عليه شئ آخر من سائر الموجودات، وكذا وجود السماء - مثلا - لا يدل عليه سوى وجود ظهور جسمها وحركتها، ولا يدل عليه شئ آخر من الموجودات التي تحتها وفوقها.
وأما وجود الواجب - تعالى - فيدل عليه كل شئ إذ ليس الوجود مدرك محسوس أو معقول، وحاضر أو غائب، إلا وهو شاهد ومعرف لوجوده فالسبب في خفائه مع كونه أجلى وأظهر من كل شئ غاية وضوحه وظهوره، فإن شدة ظهور الشئ قد يكون سببا لخفائه، لأنه يكل المدارك ويحسرها، فشدة ظهوره - سبحانه - بلغت حدا بهرت العقول وأدهشتها