تأتي علي ساعة من ليل أو نهار ألا وأنا عامل من عمال الله - تعالى -. فقال له بعض العلماء: أنت قد وجدت حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت أو تركته فهم بعمله، إذ من هم بعمل الخير كمن يعمل به). ثم السر في مجازاة الأعمال على حسب النية، وكون النية حقيقة العمل وعمادا وروحا له: إن العمل من حيث هو عمل لا فائدة فيه، وإنما فائدته للأثر الذي يصل منه إلى النفس من النورانية والصفاء ولا يزال يتكرر وصول هذا الأثر من الأعمال إليها حتى تحصل لها غاية الضياء والصفاء، فيحصل لها التجرد التام وينخرط في سلك الملائكة، ولا ريب في أن وصول هذا الأثر من الأعمال إنما هو مع صحة النية وخلوصها، وكونها لله - سبحانه - من دون شوب الأغراض، بل التأمل يعطي أن هذا الأثر إنما هو حقيقة من محض النية، وإن كانت حادثة لأجل العمل.
فصل عبادة الأحرار والاجراء والعبيد قد ظهر مما ذكر: أنه لا يحسب من عبادة الله ولا يعد من طاعة الله بحيث يترتب عليه الأجر في الآخرة إلا ما يراد التقرب إلى الله والدار الآخرة أي يراد به وجه الله من حيث هو، من دون غرض آخر من الأغراض الدنيوية، أو يراد به التوصل إلى ثوابه، أو الخلاص من عقابه، فمن أراد بعبادته محض وجه الله وأخلصها له لكونه أهلا للعبادة، ولمحبته له لما عرفه بجلاله وجماله وعظمته ولطف فعاله، فأحبه واشتاق إليه، ولا يريد سواه ولا يبتهج بغير حبه وأنسه والاستغراق في لجة شهوده، فيفرح بعبادته وتوجيه قلبه إليه بطاعته: فجزاءه أن يحبه الله ويجتبيه، ويقربه إلى نفسه وبدنه قربا معنويا ودنوا روحانيا، كما قال في حق بعض من هذا صفته:
(وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) (3).
وإلى هذه المرتبة أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله: (إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك).