أن كثرة الملائكة لم تبلغ حدا يمكن تصوره تفصيلا أو أجمالا. ولهم طبقات وأصناف: منها: طبقات الملائكة الأرضية. ومنها الملائكة السماوية. ومنها: حملة العرش العظيم ومنها: المسلسلون. ومنها:
المهيمنون.. وغير ذلك مما لم نسمع اسمهم ورسمهم، ولا يحيط بهم إلا الله - سبحانه - فكل صنع من صنائع الله في الأرض والسماء لا يخلو عن ملك أو ملائكة موكلين به. فانظر كيف وكلهم الله بك فيما يرجع إلى الأكل والاغتذاء الذي كلامنا فيه، دون ما يجاوز، وذلك من صنائع الله وأفعاله، ومن الوحي إلى الأنبياء والهداية والإرشاد وغيرها، فإن استقصاء ذلك ليس من مقدورات البشر. فنقول: إن كل جزء من أجزاء بدنك، بل من أجزاء النبات، لا يغتذي إلا بأن يوكل به سبعة من الملائكة، هم أقل الأعداد إلى عشرة إلى مائة، إلى أكثر من ذلك بمراتب.
بيان ذلك: إن معنى الاغتذاء: أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء تلف من بدنك. وهذا موقوف على حركات وتغيرات واستحالات للغذاء، حتى يصير جزء للبدن كالجذب والهضم وصيرورته لحما وعظما. ومعلوم أن الغذاء والدم واللحم أجسام ليست لها قدرة ومعرفة واختيار حتى تتحرك وتتغير بأنفسها، ومجرد الطبع لا يكفي في ترددها في أطوارها، كما أن البر بنفسه لا يصير طحينا وعجينا وخبزا مطبوخا إلا بصناع، والصناع في الباطن هم الملائكة، كما أن الصناع في الظاهر هم أهل البلد. فالغذاء، بعد وضعه في الفم إلى أن يصير دما لا بد له من صناع من الملائكة، ولا تتعرض لهم ولبيان عددهم، ونقول: بعد صيرورته دما إلى أن يصير جزء للبدن، ويتوقف على سبعة من الملائكة، إذ لا بد من ملك يجذب الدم إلى جوار اللحم والعظم إذ الدم لا يتحرك بنفسه، ولا بد من ملك آخر يمسك الغذاء في جواره، ولا بد من ثالث يخلع عنه صورة الدم، ومن رابع يكسوه صورة اللحم والعظم والعرق، ومن خامس يدفع الفضل الزائد من الحاجة، ومن سادس يلصق ما اكتسب صفة اللحم باللحم، وما اكتسب صفة العظم بالعظم، وما اكتسب صفة العرق بالعرق حتى لا يكون منفصلا، ولا بد من سابع يراعي المقادير في الالصاق، فيلحق بالمستدير على ما لا يبطل استدارته، وبالعريض