من يناجيه ملك الملوك. والزم قلبك الخشوع، فإن الخلاص عن الالتفات ظاهرا وباطنا ثمرة الخشوع، ومهما خشع الباطن خشع الظاهر، ولذا قال رسول الله (ص) وقد رأى مصليا يعبث بلحيته: (أما هذا، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه، فإن الرعية بحكم الراعي). وفي الدعاء: (اللهم أصلح الراعي والرعية)، وهو القلب والجوارح.
وبالجملة: ينبغي لكل مؤمن صرف وجهه إلى بيت الله للصلاة، أن يصرف وجه قلبه إلى صاحب البيت، وكما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت إلا بالصرف عن غيرها، فكذلك لا ينصرف وجه القلب إلى الله إلا بالتفرغ عما سوى الله، وقد قال رسول الله (ص): (إذا قام العبد إلى صلاته، وكان هواه وقلبه إلى الله، انصرف كيوم ولدته أمه). وقال (ص):
(أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار؟!) قيل: هذا نهي عن الالتفات عن الله، وملاحظة عظمته في حال الصلاة، فإن الملتفت يمينا وشمالا غافل عن الله وعن مطالعة أنوار كبريائه، ومن كان كذلك فيوشك أن تدوم تلك الغفلة عليه، فيتحول وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة عقله للأمور العلوية وعدم فهمه للمعارف. وقال الصادق (ع) (إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كل شاغل يشغلك عن الله - تعالى -، وعاين بسرك عظمة الله - عز وجل -، واذكر وقوفك بين يديه، قال الله - تعالى -:
(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق) (27).
وقف على قدم الخوف والرجاء) (28).
فصل القيام وأما القيام، فهو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله - سبحانه - فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطوقا متطأطأ متنكسا، تنبيها للقلب على لزوم التواضع والتذلل والانكسار، والتبري عن التكبير والترؤس.