المعصية تنمحي عن القلب بشيئين: - أحدهما - حرقة الندم، و - الآخر - شدة المجاهدة بالترك بالمستقبل، وقد امتنعت المجاهدة بزوال الشهوة، ولكن ليس محالا أن يقوى الندم بحيث يقوى على محوها دون المجاهدة، ولولا هذا لقلنا: أن التوبة لا تقبل ما لم يعش التائب بعد التوبة مدة يجاهد نفسه في عين تلك الشهوة مرات كثيرة، وذلك مما يدل ظاهر الشرع على اشتراطه.
فصل وجوب التوبة التوبة عن الذنوب بأسرها واجبة: الإجماع، والنقل، والعقل،:
أما الإجماع - فلا ريب في انعقاده. وأما النقل - فكقوله تعالى:
(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (42). وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) (43) ومعنى النصوح: الخالص لله خاليا عن شوائب الأغراض، من مال أو جاه أو خوف من سلطان أو عدم أسباب، والأمر للوجوب، فتكون التوبة واجبة بمقتضى الآيتين.
وأما العقل - فهو أن من علم معنى الوجوب ومعنى التوبة فلا يشك في ثبوته لها. (بيان ذلك): أن معنى الواجب وحقيقته هو ما يتوقف عليه الوصول إلى سعادة الأبد والنجاة من هلاك السرمد، ولولا تعلق السعادة والشقاوة بفعل الشئ وتركه لم يكن معنى لوجوبه، فالواجب ما هو وسيلة وذريعة إلى سعادة الأبد. ولا ريب في أنه لا سعادة في دار البقاء إلا في لقاء الله والأنس به، فكل من كان محجوبا عن اللقاء والوصال محروما عن مشاهدة الجلال والجمال، فهو شقي لا محال، محترق بنار الفراق ونار جهنم. ثم لا مبعد عن لقاء الله إلا اتباع الشهوات النفسية والغضب والأنس بهذا العالم الفاني، والإكباب على حب ما لا بد من مفارقته قطعا، ويعبر عن