الجزع ومنها:
وهو إطلاق دواعي الهوى، من الاسترسال في رفع الصوت، وضرب الخدود، وشق الجيوب، أو ضيق الصدر والتبرم والتضجر. وهو وأن كان من نتائج ضعف النفس وصغرها الذي من رذائل القوة الغضبية فقط، إلا أنه لما كان ضده الصبر، وله أقسام بعضها من متعلقات القوة الشهوية - كما يأتي - فلذلك لم نذكره في متعلقات قوة الغضب فقط، بل ذكرناه هنا. ثم الجزع في المصائب من المهلكات، لأنه في الحقيقة إنكار لقضاء الله، وإكراه لحكمه، وسخط على فعله. ولذا قال رسول الله (ص):
(الجزع عند البلاء تمام المحنة) وقال (ص): (أن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). وفي الخبر القدسي: (من لم يرض بقضائي، ولم يشكر على نعمائي، ولم يصبر على بلائي، فليطلب ربا سواي). وروي:
(أن زكريا لما هرب من الكفار، واختفى في الشجرة، وعرفوا ذلك، جاؤوا بالمنشار فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار رأس زكريا، فأن أنة، فأوحى الله إليه: يا زكريا! لئن صعدت منك أنة ثانية لأمحونك من ديوان النبوة!
فعض زكريا (ع) على أصبعه حتى قطع شطرين) وبالجملة: العاقل يعلم أن الجزع في المصائب لا فائدة فيه، إذ ما قدر يكون، والجزع لا يرده.
ولا ريب في أنه يترك الجزع بعد مضي مدة، فليتركه أولا حتى لا يضيع أجره. وقد نقل: (أنه مات ابن لبعض الأكابر، فعزاه مجوسي، وقال له: ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام. فقال:
اكتبوه عنه). وقال الصادق (ع): الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة.
والصبر يدعيه كل أحد وما يثبت عنده إلا المخبتون، والجزع ينكره كل أحد وهو أبين على المنافقين، لأن نزول المحنة والمصيبة يخبر عن الصادق والكاذب. وتفسير الصبر ما يستمر مذاقه، وما كان عن اضطراب لا يسمى صبرا. وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص، وتغير اللون