تقع عباداته على أحسن الوجوه، لأن إيمانه يقتضي ذلك، ثم إذا اشتغل بها لا يتيسر له ذلك، ولا يأتي بها كما يريد، فما ينويه دائما خير مما يعمل به في كل عبادة. وإلى هذا أشار الباقر (ع) حيث قال: (نية المؤمن خير من عمله وذلك لأنه ينوي الخير ما لا يدركه، ونية الكافر شر من عمله، وذلك لأن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه). وقيل للصادق (ع): سمعتك تقول: نية المؤمن خير من عمله، فكيف تكون النية خير من العمل؟ قال عليه السلام: (لأن العمل إنما كان رياء للمخلوقين، والنية خالصة لرب العالمين، فيعطي - عز وجل - على النية ما لا يعطي على العمل)، ثم قال:
(إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام، فيثبت الله له صلاته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه صدقة). وبعض الأخبار المتقدمة يعضد ذلك ويؤكده أيضا. وقيل: معنى الحديث: (إن النية بمجردها خير من العمل بمجرده بلا نية). وفيه: إن العمل بدون النية لا يتصف بالخيرية أصلا، فلا معنى للترجيح في الخيرية، وقيل: سبب الترجيح: (إن النية سر لا يطلع عليه إلا الله، والعمل ظاهر، وفعل السر أفضل) وهذا وإن كان في نفسه صحيحا، إلا أنه ليس مرادا من الحديث، لأنه لو نوى أحد أن يذكر الله - تعالى - بقلبه أو يتفكر في مصالح المؤمنين، كانت نيته بمقتضى عموم الحديث خيرا من العمل الذي هو الذكر والتفكر مع اشتراك النية والعمل في السرية، وبداهة كون الذكر والتفكر خيرا من نيتهما.
فصل النية غير اختيارية النية غير داخلة تحت الاختيار، وذلك لما عرفت من أنها انبعاث النفس وتوجهها وميلها إلى ملائم ظهر لها أن فيه غرضها إما عاجلا أو آجلا، وهذا الميل إذا لم يكن حاصلا للنفس لم يكن اختراعه واكتسابه بمجرد الإخطار بالبال والاجراء على اللسان، بل ذلك كقول الشبعان: نويت أن أشتهي الطعام وأميل إليه، أو قول الفارغ: نويت أن أعشق فلانا وأحبه، فلا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشئ وميله إليه وتوجهه نحوه، إلا باكتساب أسبابه،