لا يتصور له الفراغ منها قط، إذ ما قضى من أخذ لبانته، وإنما فرغ منها من أطرحها.
فصل علاج طول الأمل لما عرفت أن طول الأمل منشأه الجهل وحب الدنيا، فينبغي أن يدفع الجهل بالفكر الصافي من شوائب العمى، وبسماع الوعظ من النفوس الطاهرة، فإن من تفكر يعلم أن الموت أقرب إليه من كل شئ، وإنه لا بد أن تحمل جنازته ويدفن في قبره، ولعل اللبن الذي يغطي به لحده قد ضرب وفرغ منه، ولعل أكفانه قد خرجت من عند القصار وهو لا يدري به، وأما حب الدنيا فينبغي أن يدفع من القلب بالتأمل في حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة، وما ورد في الأخبار من الذم والعقاب في حب الدنيا والرغبة إليها، ومن المدح والثواب على تركها والزهد عنها، وقد تقدم ما يكفي لهذا البيان وينبغي - أيضا - أن يتذكر ما ورد في مدح ضد طول الأمل - أعني قصر الأمل كما يأتي - وما ورد في ذنب طول الأمل، كقوله (ص): (إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: أتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا - ثم قال -: إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض وإذا أحب عبدا أعطاه الإيمان، ألا إن للدين أبناء وللدنيا أبناء، فكونوا من أبناء الدين ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا إن الدنيا قد ارتحلت مولية، ألا إن الآخرة قد أتت مقبلة، ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب، ألا وإنكم يوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل) (28). وقوله صلى الله عليه وآله: (نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل). وقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء الأمل).