عز وجل -: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) 36 التوكل على الله درجات، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا، تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا، وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها.
ولعل سائر درجات التوكل أن يتوكل على الله في بعض أموره دون بعض، وتعدد الدرجات حينئذ بحسب كثرة الأمور المتوكل فيها وقلتها.
فصل السعي لا ينافي التوكل إعلم أن الأمور الواردة على العباد إما أن تكون خارجة عن قدرة العباد ووسعهم، بمعنى أنه لا تكون لها أسباب ظاهرة قطعية أو ظنية لجلبها أو دفعها أو تكون لها أسباب جالبة لها أو دافعة إياها، إلا أن العبد لا يتمكن منها.
فمقتضى التوكل فيها ترك السعي بالتمحلات والتدبيرات الخفية، وجوالتها على رب الأرباب، ولو دبر في تغييرها بالتمحلات والتكلفات، لكان خارجا عن التوكل رأسا، أو لا تكون خارجة عن قدرتهم، بمعنى أن لها أسبابا قطعية أو ظنية يمكن للعبد أن يحصلها ويتوصل بها إلى جلبها أو دفعها. فالسعي في مثلها لا ينافي التوكل، بعد أن يكون وثوقه واعتماده بالله دون الأسباب. فمن ظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن، وترك التدبير بالعقل رأسا، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة، فقد أبعد عن الحق، لأن ذلك محرم في الشرع الأقدس، فإن الشارع كلف الإنسان بطلب الرزق بالأسباب التي هداه الله إليها، من زراعة، أو تجارة، أو صناعة، أو غير ذلك مما أحله الله، وبإبقاء النسل بالتزويج، وكلفه بأن يدفع عن نفسه الأشياء المؤذية بالتوسل إلى الأسباب المعينة لدفعها. وكما أن العبادات أمور أمر الله - تعالى - عباده بالسعي فيها، ليحصل لهم بها التقرب إليه والسعادات في دار الآخرة، فكذلك طلب الحلال ودفع الضرر والألم عن النفس والأهل والعيال أمور أمرهم الله - تعالى - ليحصل لهم