ينقلب القلب في اختلاف الحالات، وبحسب كل حالة منها يستعد للمكاشفة بأمر يناسب تلك الحالة، ويمتنع أن يكون حال المستمع واحدا والمسموع مختلفا، إذ فيه كلام راض وكلام غضبان، وكلام منعم، وكلام منتقم، وكلام جبار متكبر لا يبالي، وكلام منان متعطف لا يهمل.
المقصد الخامس الصوم إعلم أن الصوم أجره عظيم، وثوابه جسيم، وما يدل على فضله من الآيات والأخبار أكثر من أن تحصى، وهي معروفة مشهورة فلا حاجة إلى ذكرها، فلنشر إلى ما يتعلق به من الأمور الباطنة:
فصل ما ينبغي للصائم ينبغي للصائم أن يغض بصره عن كل ما يحرم النظر إليه، أو يكرهه، أو يشغل القلب ويلهيه عن ذكر الله تعالى، ويحفظ اللسان عن جميع آفاته المتقدمة، ويكف السمع عن كل ما يحرم أو يكره استماعه، ويكف بطنه عن الحرام والشبهات، ويكف سائر جوارحه عن المكاره. وقد ورد في اشتراط جميع ذلك في الصوم في ترتب كمال الثواب عليه أخبار كثيرة. وينبغي أيضا ألا يستكثر من الحلال وقت الافطار بحيث يمتلئ، إذ ما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن ملئ من حلال، كيف والسر في شرع الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة والهوى، لتتقوى النفس على التقوى، وترتقي من حضيض وحظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبيه بالملائكة الروحانية، وكيف يحصل ذلك إذا تدارك الصائم عند الافطار ما فاته ضحوة نهاره، لا سيما إذا زيد عليه في ألوان الطعام، كما استمرت العادات في هذه الأعصار، وربما يؤكل من الأطعمة في شهر رمضان ما لا يؤكل في عدة شهور. ولا ريب في أن المعدة إذا خليت من ضحوة النهار إلى العشاء، حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها، ثم أطعمت من اللذات، وأشبعت من ألوان المطاعم، وجمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما يأكل ليلا، وأكل جميع في الليل مرة أو مرتين أو أكثر زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وابعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة